نشر موقع " Declassified UK" المهتم بالسياسة الخارجية البريطانية تقريرا حول تنامي العلاقات بين بريطانيا وعبدالفتاح السيسي قائد الانقلاب العسكري، على الرغم من البلاد تشهد أسوأ أزمة في مجال حقوق الإنسان في التاريخ الحديث. وأشار التقرير الذي ترجمته "الحرية والعدالة" إلى أن الشراكة بين بريطانيا والانقلاب تحولت إلى قوة شريرة، حيث تعمل بريطانيا في واقع الأمر على دعم كل أشكال القمع، ونشر جو من التشاؤم. وحسب التقرير، فإنه قبل ما يقرب من 10 سنوات، في فبراير 2011، بدأ رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون جولة في دول الخليج، وكلها حليفة مقربة من المملكة المتحدة، مع مجموعة من ممثلي صناعة الدفاع البريطانية، وعندما حدث ذلك في منتصف الربيع العربي، خشيت الحكومة من أن ترسل المؤتمرات المربحة مع الحكام المستبدين في الخليج رسالة خاطئة، وقد توقفت في اللحظة الأخيرة على خط سير الرحلة: مصر، حيث تمت للتو الإطاحة بالحاكم المخضرم حسني مبارك، الذي كان في السلطة لمدة 30 عاما، ونزل كاميرون لفترة وجيزة إلى ميدان التحرير في القاهرة – موقع الاحتجاجات ضد مبارك – لالتقاط بعض الصور، ثم عاد إلى العمل. وسرعان ما تبين أن حكومة المخلوع مبارك استخدمت الغاز المسيل للدموع الذي صنعته بريطانيا على المتظاهرين في الميدان، ولكن بعد مرور عقد من الزمان، لا تزال شركات الأسلحة في المملكة المتحدة تعتبر مصر عميلا رئيسيا. تعذيب ممنهج وأشار التقرير إلى أن عبد الفتاح السيسي، المدير السابق للاستخبارات العسكرية ووزير الدفاع استولى على السلطة عام 2014، بعد أن قاد الانقلاب على الرئيس محمد مرسي، أول رئيس منتخب ديمقراطيا في مصر. واتسمت آثار الانقلاب بسفك دماء هائل، وشهدت مجزرة ميدان رابعة في أغسطس 2013، التي أشرف عليها السيسي، قيام الشرطة والجيش المصريين بقتل أكثر من 1000 متظاهر سلمي بأغلبية ساحقة. ومنذ استولى السيسي على الحكم، شهدت مصر أسوأ أزمة في مجال حقوق الإنسان في التاريخ الحديث، فالاعتقال التعسفي متفشي، وعشرات الآلاف من السجناء السياسيين وضعوا في السجون في ظروف مروعة وغالبا ما تكون قاتلة، وقد توصلت لجنة الأممالمتحدة لمناهضة التعذيب إلى "استنتاج لا مفر منه بأن التعذيب ممارسة منهجية في مصر". وبالإضافة إلى ذلك، هناك حالات اختفاء قسري وعمليات إعدام خارج نطاق القضاء على أيدي قوات الأمن التي تعمل في حالة شبه كاملة من العقاب، وتحاكم المحاكم العسكرية المدنيين، بمن فيهم الأطفال، بانتظام، في محاكمات جماعية. في إحدى هذه المحاكمات، التي وثقتها "هيومن رايتس ووتش" تمكنت إحدى المحاكم من إصدار حكم بالسجن المؤبد على طفل عمره 3 سنوات، واعترف فيما بعد بأن الحكم كان في الواقع مخصصا لطالب يبلغ من العمر 16 عاما يحمل نفس الاسم. مغازلة بريطانية وأضاف التقرير أنه طوال هذا الوقت، كانت حكومة المملكة المتحدة تتودد إلى السيسي، وقد التقى به رئيس الوزراء بوريس جونسون ثلاث مرات على الأقل، جرت أول زيارة للسيسي إلى المملكة المتحدة في نوفمبر 2015، بعد عامين من "رابعة" في حين كان كاميرون لا يزال رئيسا للوزراء ومع ازدهار مبيعات الأسلحة البريطانية إلى الانقلاب، في سبتمبر 2015، سافر محمود حجازي، رئيس أركان الجيش، إلى لندن لحضور معرض للأسلحة، منحته وزارة الخارجية البريطانية حصانة دبلوماسية مؤقتة، وبالتالي اعفي من إمكانية اعتقاله بسبب جرائم التعذيب. وفي مؤتمر صحفي مشترك بين كاميرون والسيسي، قال رئيس الوزراء البريطاني: "نحن فخورون بأن نكون أكبر مستثمر أجنبي في مصر"، وبعد أن أشار إلى "الحاجة إلى إحراز تقدم سياسي" في البلاد، قال إنه يؤكد على ضرورة "مواصلة تعاوننا الأمني الوثيق، بما في ذلك التصدي لويلات التطرف الإسلامي العنيف"، ويمكن أن يكون نشر الخطابات المناهضة للإرهاب وسيلة مفيدة للاستغناء عن مسألة حقوق الإنسان. من جانبه، أشاد السيسي ب "الشراكة التجارية والاستثمارية" البريطانية المصرية الآخذة في الاتساع، وزعم أن مصر تسعى إلى "مجتمع قادر على توفير حياة كريمة وتلبية مطالب الشعب في الحرية والأمن والاستقرار والعدالة الاجتماعية" – وهو عكس الدولة التي تتهم المدافعين عن حقوق الإنسان والصحفيين بالإرهاب. وقد دُعيت حكومة السيسي إلى معرضي الأسلحة في لندن في 2017 و2019، وفي عام 2019/2020، وتم تصنيف البلاد "سوقا رئيسية" من قبل وحدة الدفاع والصادرات الأمنية التابعة لوزارة التجارة البريطانية، وهي هيئة عامة تساعد صناعات الأسلحة والأمن على تعزيز صادراتها. وتشير الحملة ضد تجارة الأسلحة إلى أنه منذ يوليو 2017، سمحت المملكة المتحدة بتراخيص تصدير بقيمة 26 مليون جنيه إسترليني للسلع العسكرية إلى الانقلاب، ولا يشمل ذلك 18 ترخيصا إضافيا "مفتوحا" تسمح بتصدير سلع معينة دون الحاجة إلى الإبلاغ عن الكميات أو القيم المعنية. ومن بين ما لا يقل عن 201 صنف مدرجة على موقع CAAT على الإنترنت على النحو المررخص به للتصدير التقليدي إلى البلاد مكونات للطائرات المقاتلة والمدافع الرشاشة والبنادق الهجومية ومعدات الحرب الإلكترونية وذخيرة مكافحة الحشود وذخيرة الغاز المسيل للدموع/المهيجة. الاستثمار وتصدير الأسلحة دعما للاستبداد وفي مناسبات قليلة فقط، لم تُظهر المملكة المتحدة المبدأ من خلال إلغاء حفنة من تراخيص تصدير الأسلحة إلى نظام السيسي أو تعليقها ثم استعادتها بسرعة، وقامت شركات الأسلحة البارزة التي لها مكاتب في المملكة المتحدة مثل رايثيون، لوكهيد مارتن، تشيمرينج، وثاليس جميعها ببيع بضاعتها إلى المصريين، وتلقت جميعها المال العام في شكل منح من المؤسسة الأسكتلندية. وأكد التقرير أن القضية ليست أن كل صادرات عسكرية بريطانية تسهل بالضرورة انتهاكات حقوق الإنسان في مصر، بل إن بيع الأسلحة للسيسي هو الذي يدعم النظام ويشير إلى أنه لا حاجة إلى تحقيق "تقدم سياسي" في نهاية الأمر. ووفقاً لبيان بريطاني مصري مشترك حول التعاون الاقتصادي في يناير 2020، تستثمر بريطانيا 48 مليار دولار في مصر، في قطاعات تتراوح بين الاتصالات والمستحضرات الصيدلانية، والسلع الاستهلاكية سريعة الحركة، والنفط والغاز، وتعد شركة البترول العملاقة "بي بي" واحدة من أكبر المستثمرين، وتم إطلاق منتدى المستثمرين البريطانيين مع مصر في أوائل عام 2020. وبين عامي 2016 و2020، ساهمت المملكة المتحدة بأكثر من 50 مليون جنيه إسترليني "لدعم استمرار استقرار وازدهار مصر"، مع ضمان قرض من البنك الدولي بقيمة 150 مليون دولار. في ورقة بحثية صدرت عام 2018 عن "ميدل إيست مونيتور"، بعنوان "في مصر تتاجر بريطانيا بملايين الدولارات من أجل حقوق الإنسان"، تقول الصحفية أميليا سميث: "على الرغم من أن "مرسي" كان يقول للدول الغربية والشركات متعددة الجنسيات ما تريد سماعه، كان هناك قلق في وستمنستر من أن اتفاقياتها التجارية قد لا تكون آمنة". وتم التوقيع على اتفاقية جديدة في ديسمبر الماضي "لتعزيز العلاقات السياسية والتجارية" بين المملكة المتحدة ومصر. ويثني البيان الصحفي الصادر عن وزارة الخارجية والتنمية (FCDO) على البلاد باعتبارها "سوقا مهمة لصادرات المملكة المتحدة بقيمة 2.3 مليار جنيه إسترليني في عام 2019"، بما في ذلك الخامات المعدنية والمنتجات الصيدلانية. كما ينص على أن المملكة المتحدة "ملتزمة بتعزيز علاقتها مع مصر وبناء التعاون بشأن القضايا المهمة بما في ذلك التعليم والبيئة وحقوق الإنسان". وأشار معد التقرير إلى أنه تقدم، مستشهدا بهذه السطور، بالاستفسار التالي إلى المكتب الإعلامي التابع ل وزارة الخارجية والتنمية: "هل ستتوقف أي تجارة – على سبيل المثال التسلح – على استيفاء مصر لمعايير حقوق الإنسان، مثل وقف ممارسة تعذيب الأطفال؟" سجل حقوقي أسود وأضاف أنه أدرج مع الاستفسار رابطا لتقرير ل هيومن رايتس ووتش في مارس 2020 يركز على 20 حالة من مئات الحالات لأطفال مصريين تم اعتقالهم تعسفاً، واختفاؤهم قسراً، وتعرضوا للتعذيب على أيدي ضباط أمن الدولة. فقد اختفى عبد الله بومدين البالغ من العمر 12 عاما لمدة ستة أشهر، وعذب بالكهرباء، "لأن شقيقه الأكبر، على ما يبدو، انضم إلى فرع الدولة الإسلامية المحلي". وفي حالة أخرى، تعرض شخص يبلغ من العمر 14 عاما للتعذيب، واختُفى، وظل رهن الاحتجاز رهن المحاكمة لمدة ثلاث سنوات لأسباب منها "تكدير السلم العام"، واتُهم آخرون بارتكاب جرائم أثناء وجودهم في الحبس. وأوضح معد التقرير أن مكتب الإعلام في وزارة الخارجية والتنمية رد على استفساره بتوجيهه إلى الموقف الحكومي الرسمي بأن مصر هي "بلد ذي أولوية لحقوق الإنسان بالنسبة للمملكة المتحدة". وأضاف: "تجدر الإشارة أيضا إلى أن الحكومة تأخذ مسؤولياتها عن تصدير الأسلحة على محمل الجد وتدير أحد أقوى أنظمة مراقبة تصدير الأسلحة في العالم، ونحن ندرس بدقة كل طلب على أساس كل حالة على حدة". ويؤكد الاطلاع على عناوين الأخبار الصحفية الأخرى التي تصدرها الحكومة البريطانية مؤخرا ارتفاع التعاون العسكري بين لندنوالقاهرة: "وزير القوات المسلحة البريطانية يصل إلى القاهرة"، و"البحرية الملكية البريطانية تختتم أولى المناورات المشتركة مع مصر"، و"سيد البحر الأول في المملكة المتحدة يختتم زيارته إلى الإسكندرية". واختتم معد التقرير حديثه قائلا: "هكذا تنتقل الشراكة البريطانية المصرية من قوة إلى قوة شريرة، حيث تعمل بريطانيا في واقع الأمر على دعم كل أشكال القمع، ونشر جو من المتشائم حقا". https://www.dailymaverick.co.za/article/2021-01-19-as-repression-in-egypt-increases-so-does-uk-cooperation-with-its-regime/