في تقرير دوري يتم رفعه إلى السفاح عبد الفتاح السيسي، يرصد "الرأي العام" من خلال أفراد معنيين بجمع استبيانات سرية وتصب في النهاية لدى الجهات الأمنية والاستخباراتية، ويطرح عدة أسئلة في العمل أو القهوة أو المواصلات العامة، أظهر أن المصريين بلغ بهم الغضب مبلغه بسبب الظلم وهدم بيوتهم، وهو ما جعل السفاح مهزوزاً في آخر خطاب له ويلوح بالاستفتاء الشعبي ويخوف من خراب البلاد، ويهدد بنزول الجيش لإبادة أي ثورة أو بادرة غضب. الطبقة الوسطى ومعها الشرائح المُعدمة باتت على يقين أنه لن ينجيها من هذا القمع الأليم سوى الثورة ضد السفاح السيسي، إلا أنه لا يمكن توقع ثورة أو موعد لها؛ خطوة الغضب الأولى للجماهير الواسعة ممكنة في أي وقت، وهي لا تحتاج إلى حزب يقودها أو يتبنى مطالبها كثورة يناير المغدورة. هل يستفز الوضع الاقتصادي والمناخ السياسي، الحاليان والمقبلان، الطبقة الوسطى في مصر؟ هذه الطبقة بالفعل مستفزة، لكن هل إلى الحد الذي يجعل أفرادها غير قادرين على التحايل وانتظار أمل الاستقرار؟ رياح يناير تصدّر هاشتاج #مش_عايزينك قائمة التداول المصرية بعد تصريح جديد للسفاح السيسي يقول فيه مرة أخرى بعدم رغبته في البقاء بالسلطة إذا رغب الشعب في رحيله. وشن مغردون مصريون هجوماً على السفاح السيسي، مطالبين إياه بالرحيل عن كرسي الرئاسة، وجاءت كلمة السفاح السيسي "لو مش عايزني أبقى موجود معنديش مشكلة" خلال افتتاحه مشروع محور المحمودية، مما جعل هاشتاج "مش عايزينك" يتصدر الترند. ومن الكلمات التي تداولها رواد منصات التواصل الاجتماعي تساؤل السفاح السيسي للشعب عن السبب في الإحجام عن مساعدته "مش عايزين تساعدوني ليه؟ ويقول إنه يفعل ما يفعل لأجل الله"، كما هدد السيسي بنشر الجيش في القرى لضبط مخالفات البناء. ومن أبرز التغريدات، جاءت تغريدة الحقوقي هيثم أبو خليل الذي قال "سيبها يا سيسي واللي جاي مش هيخربها.. لا ده هيرجع تيران وصنافير، ويجيب لنا حقنا في غاز البحر المتوسط، ويعرف يأخذ موقف في سد النهضة، وهيوقف بناء القصور، ويوقف طوفان الديون اللي كبلت البلد.. ارحل يا سيسي ومصر هتشوف النور". وغرد محمود رفعت "حين قال السيسي لو مش عايزني همشي، رد عليه الشعب بصوت واحد #مش_عايزينك.. أنت باقٍ فقط بالقمع، بجنرالات فاسدين دمروا #جيش_مصر وشاركوك بيع #تيران_وصنافير ومياه #النيل وحدود #مصر البحرية". وكتب أحمد مولانا "خطاب السيسي يُستشف منه وجود تقديرات من وزارة الداخلية بأن المضي في هدم المنازل أمر سلبي لا ينبغي المضي فيه. ولذا، تحدث السيسي عن استعداده لإنزال الجيش إلى القرى لتنفيذ عمليات الهدم، ورسالته لمديري الأمن بأن من لا يرى في نفسه القدرة على تنفيذ عمليات الإزالة فعليه أن يستقيل". التردي الاقتصادي، الذي تعانيه مصر الآن، وانسداد نوافذ الحل، يجعلان نُضج الشروط الموضوعية للثورة بوجهها الأول أكثر وضوحاً، لكن يبقى التحرك مرهوناً بعوامل كثيرة، أهمها أن الطبقة الوسطى تاريخياً كانت ولا تزال مترددة في ضربة البدايّة، وهي إن فعلتها بلا قيادة، فإنها تحتاج إلى قائد يتبنى مطالبها بحق قبل أن تحلّ الحادية عشرة مساءً وتزدحم الطرق! المشهد داخل تكوينات هذه الطبقة الوسطى يؤشر على اتساع بؤر الغضب وغياب الاستقرار: الأطباء والصحفيون، ونقابات مهنيّة أخرى، وحملة درجات عليا، وأصحاب المعاشات… كلهم غاضبون من تجاهل حقوقهم، فهل تعي عصابة الانقلاب خطورة ذلك أم أنها تؤمن بالسلاح بين يديها. أما ما يعطل الغضب مؤقتاً، فهو أن الشرائح المستقرة كالموظفين في هيئات الدولة بمختلف أنواعها وهم بالملايين، غير راغبة في المخاطرة، وخاصة الآن، لأن مصالحها الصغيرة لم تمسّ بعد. وعلى الناحية الأخرى، الفقراء هم الأكثر تضرراً من السنوات الأخيرة، لأنه بموازاة استمرار سياسات السوق وندرة فرص العمل الداخليّة، ورفع الدعم عن الطاقة، وانصراف عصابة الانقلاب عن تقديم الخدمات الاجتماعية، كلها تعني أن نسبة واسعة من الفئات الكادحة عمال القطاع الصناعي والتجاري وأجراء اليوميّة والسائقون والحرفيون، تشعر بصعوبة في تقبل الوضع الاقتصادي. ورغم أن كثيرا من هؤلاء فوّضوا السفاح السيسي، فإنهم الآن غاضبون، بعدما نزلت طبقتهم إلى مستوى أقل في الدخل، وسلّة الاحتياجات، وفيما ينفق الفقراء على التعليم 1.9% من دخلهم السنوي، ينفقون على الطعام والشراب حوالى 46%، فيما تنفق الطبقة الوسطى نحو 60%، وفق أرقام رسمية. جرائم الحرب تاريخ مصر الحديث تكتبه الانقلابات والثورات، إلا أن الثورة ضد الطبقة المتعطشة للدماء والتي ازدادت جرائمها وانحطت إلى درجة جرائم الحرب، تعدّ بمثابة مهاجمة نمر داخل كهف مظلم، لكن مطربة العسكر أم كلثوم لخصت الأمور بأفضل ما يكون في جملتها الغاضبة "إنما للصبر حدود". وخلال ثورة 25 يناير 2011 أنهى رصاص العسكر أكثر من 800 حياة كريمة وكان الشهداء محظوظين، أما بالنسبة لل 100 مليون مصري الذين سحقهم الحكم القمعي للثورة المضادة الذي أغرق مصر إلى أعماق غير مسبوقة، فهؤلاء هم غير المحظوظين. ولكن ربما يكون هناك تغيير، وللمفارقة الكبيرة، فالسفاح السيسي الذي قاد الثورة المضادة، من الممكن جدًا أن يكون هو المحفز على مواجهة جديدة، وبينما دفنت المئات من العائلات المصرية قتلاها واعتنت الآلاف بمصابيها، لا يمكن لوم أحد على سوء فهم الطبيعة الحقيقية للكفاح القائم، ويعتقد معظم الناس أنه كفاح من أجل الكرامة والحرية والخبز، ولكن الجيش كان يحارب دفاعًا عن إمبراطوريته الاقتصادية الهائلة. "اتبع مسار الأموال" هذه جملة شهيرة من فيلم "كل رجال الرئيس" الذي أُنتج عام 1976، والذي سرد قصة ما قام به الصحفيون لكشف فضيحة ووتر جيت، ويمكن للجملة أن تكون مفيدة هنا. مع نهاية عام 2011، ووفقًا لمعظم التقديرات، تحكم الجيش على نسبة تتراوح بين 25 إلى 40 في المائة من الاقتصاد المصري، وأسلوب الحكومة في التعامل مع ذلك كان وما زال يتسم بالسرية التامة. ولكن الأمر الذي يحرصون على سريته ليس طبيعة أسلحة الجيش ولا مواقعه، وإنما هو حجم مبيعات المكرونة والمياه والخدمات والسلع التي يبيعها الجيش، تلك التي تمثل القوة الاقتصادية الحقيقية في الإمبراطورية. سعت الثورة المضادة التي جسدها السفاح السيسي وموالوه لحماية مصالحها السياسية على حساب أي شيء آخر، وكما بدا تمتَّع الثوار بروح شجاعة وليس دهاءً سياسيًا. فاض الكيل في عام 2015، أطلق المصريون هاشتاج #ارحل_يا_سيسي للمرة الأولى بعد خطاب ألقاه السيسي، وأكد من خلاله استعداده لترك منصبه على الفور شريطة أن تكون تلك رغبة الشعب المصري. بينما المرة الثانية كانت في العالم 2016، بعد خطاب ألقاه السفاح السيسي وأكد فيه أن جزيرتي تيران وصنافير كانتا دومًا تتبعان للسعودية، وخرجت إثر ذلك مظاهرات حاشدة في القاهرة واعتقل العشرات بينهم صحفيون. في 2018، كانت المرة الثالثة، وذلك بعد انتشار فيديو للسفاح السيسي خلال دورة لمؤتمر الشباب عقدت في جامعة القاهرة، وعبر فيه عن استيائه من الوسم. وقال السفاح السيسي في مؤتمر للشباب بجامعة القاهرة: "إحنا دخلونا فى أمة ذات عوز. عارفين أمة العوز؟ أمة الفقر. وأما آجى أخرج بيكم منها يقول لك هاشتاج ارحل يا سيسى". وتساءل: "عايز أخرجكم من العوز وأخليكم أمة ذات شأن تعملوا هاشتاج ارحل ياسيسي؟ أزعل ولا مزعلش؟" وأضاف "في دي أزعل". ووصل السفاح السيسي إلى سدة الحكم بعد انقلاب ممول من الإمارات والسعودية ومتفق عليه أمريكياً وصهيونياً، ضد أول رئيس مدني منتخب؛ الرئيس الشهيد محمد مرسي، وعدَّل في الدستور ليضمن لنفسه البقاء في الحكم أطول مدة ممكنة، تصل إلى 2030.