يقول ابن خلدون: «بزيادتها، أي الضرائب، تضعف عزائم الناس عن العمل، لأن ناتج عملهم تأخذه الدولة، وحينئذ تنقص الضرائب بقلة الإنتاج وتدهوره، ويزداد الأمر سوءاً بتدهور الإنتاج باستمرار تناقصه مع زيادة الضرائب، فينتج عن ذلك خراب العمران»، هذه النتيجة التي توصل إليها ابن خلدون، رائد علم الاجتماع العربي الشهير، ورصدها في مقدمته الشهيرة التي ألفها في عام 1377 ميلادية، تنطبق تمام الانطباق على الحالة المصرية، فالمواطنون باتوا يعملون لسداد مستحقات الضرائب وأعباء الدين العام سواء الخارجي أو الداخلي، أما الحكومة فباتت تتفنن في أساليب فرض الضرائب والرسوم الحكومية واختيار مسمياتها بعناية، فبدلاً من أن تسميها ضرائب تطلق عليها رسوم تنمية وما شابه. ومنذ سنوات طويلة وحتى اليوم، لا تزال فلسفة الجباية تهيمن على مشروع الموازنة العامة للدولة؛ حيث تبلغ حصيلة الضرائب نحو 75% من جملة موارد الدولة، وسط توقعات بارتفاعات جديدة في أسعار السلع والخدمات. ورغم تزايد معدلات الفقر إلا أن فلسفة الجباية هيمنت على مشروع الموازنة العامة؛ الذي بدأ العمل به منذ أيام؛ ذلك أن مشروع الموازنة المقدر بنحو "2.3" تريليون جنيه، إيرادته تقدر بنحو 1.3 تريليون جنيه تستهدف منها نحو 965 مليارا عبارة عن ضرائب بزيادة قدرها نحو 12.6%، وبذلك فإن الضرائب تمثل نحو 76% من جملة إيرادات الموازنة.، وهو ما يفتح الباب أمام الحكومة للاستمرار في زيادة الضرائب والرسوم داخل المؤسسات الحكومية الخدمية. وربما تمتد الزيادة إلى ضريبة القيمة المضافة، وهو ما يعني ارتفاع كل أسعار السلع والخدمات خلال العام المالي الحالي الذي بدأ العمل به من يوليو. الزيادة تدفع للتهرب وأمام المبالغة في فرض المزيد من الضرائب والمبالغة كذلك في تقدير حجمها ونسبتها تفنن الناس أيضا في التهرب من سدادها؛ وأسهم في زيادة عمليات التهرب الضريبي إعفاء ما تسمى بالجهات السيادية من الضرائب رغم أنه يفترض أن تكون قدوة لغيرها. كما تهرب حيتان من كبار الممولين من أصحاب المهن الحرة، كما تتهرب كثير من الشركات التي تلجأ إلى تأسيس شركات صورية للاستفادة من الإعفاءات المقررة، ومع انتهاء فترة الإعفاء تقوم بإنشاء شركات صورية جديدة. وهناك توقعات بتراجع حصيلة الضرائب خلال العام المالي الحالي الذي بدأ الأربعاء الماضي الموافق غرة يوليو 2020م، لأسباب تعود إلى الخسائر الضخمة التي لحقت بجميع الشركات والمحال التجارية وأصحاب المهن المختلفة بسبب تعليق النشاط الاقتصادي بعد تفشي جائحة كورونا؛ وهو مؤشر على اتجاه النظام نحو فرض مزيد من الرسوم لتحصيل المزيد من الجباية. ومع تغول عقلية دولة الجباية، توقف عقل صانع القرار في مصر عن الإبداع في ملف إدارة إيرادات الدولة المتنوعة، بل وبات صاحب القرار يختار أسهل حلين لا يحتاجان أي مجهود أو إبداع أو خبرة في إدارة شؤون الدول، الأول يسابق الزمن في فرض مزيد من الرسوم والضرائب والجمارك والتمغات، والثاني يبحث في كل صوب وحدب عن قروض خارجية وبأي تكلفة ولمدد تتجاوز 40 سنة، والنتيجة إغراق الاقتصاد والموازنة العامة في أزمات متعاقبة، وإغراق الأجيال المقبلة في جبال من الديون التي باتت تفوق قدرة الاقتصاد وموارده من النقد الأجنبي. "20" نوعا من الضرائب بحسب الخبير الاقتصادي ممدوح الولي فإن «الحصيلة الضريبية تتوزع على خمس مجموعات ضريبية، أكبر مجموعة بها تمثل الضرائب على السلع والخدمات بنسبة 48.5 % من إجمالي الحصيلة، تليها مجموعة الضرائب على الدخول والأرباح والمكاسب الرأسمالية بنسبة 34 %. والضرائب على الممتلكات من أراضي ومباني وسيارات وأذون وسندات خزانة بنسبة 8 %، والجمارك على التجارة الدولية 6 % والضرائب الأخرى على الأعمال التجارية 3 %». وتحاصر الحكومة المواطنين بأكثر من 20 شكلا من أشكال الضرائب والرسوم؛ لا يشعر بصداها في مستوى الخدمات الحكومية في ظل انهيار مرافق التعليم والصحة وشبكات الطرق، حتى تبوأت مصر صدارة دول العالم في حوادث الطرق. الزيادة في نمو الضرائب خلال السنوات المالية الست الأخيرة بعد انقلاب 3 يوليو، زادت نسبة الضرائب بمعظم تلك السنوات عن نسبة 70% من إيرادات الموازنة، حتى إنها ستبلغ حوالي 78 % بالعام المالي الحالي، ويتوقع بلوغها 75.5 % بالعام المالي المقبل. وفي العام الأول للانقلاب زاد نمو الحصيلة الضريبية إلى نحو 4% (9 مليارات جنيه)، وفي العام الثاني إلى 15% (46 مليار جنيه)، وفي العام الثالث ارتفعت إلى 31% (110 مليارات جنيه)، ثم إلى 36% في عامه الرابع (167 مليار جنيه) لتصل نسبة النمو الإجمالية للضرائب إلى 241% خلال السنوات الست الماضية (606 مليارات جنيه زيادة في الضرائب خلال السنوات الست الماضية). وهكذا تطور رقم الحصيلة الضريبية من 260 مليار جنيه بالعام المالي الأول لحكم الجيش، ليتوقع بلوغها 770 مليار جنيه بالعام المالي الماضي (2019/2020). كما يتوقع زيادتها إلى 965 مليار بالعام المالي الحالي (2020 2021) الذي بدأ أول شهر يوليو الجاري.