لأول مرة منذ 1952 تقوم الشرطة المصرية بتطبيق حظر التجوال ضمن إجراءات مكافحة كورونا، بدلا من الجيش الذي كان يتولى هذه المهمة، ونزل عدة مرات لفرض حظر التجوال، أبرزها عام 1977، عقب الاحتجاجات الشعبية على قرارات حكومة السادات رفع أسعار السلع الأساسية. فقد تميز حظر التجول هذه المرة بأمرين: )الأول) أن من أعلن قرار حظر التجوال لم يكن عسكريًا كما جرى العرف، وإنما كان مدنيا وهو رئيس الوزراء (ربما بصفته نائب الحاكم العسكري). و(الثاني) أن الشرطة هي التي تولّت تنفيذ حظر التجوال، وفرض غرامات تصل إلى 4 آلاف جنيه على المخالفين، وليس الجيش الذي ينزل غالبًا في كل مرة يتم فيها فرض حظر التجوال. البعض اعتبر تكليف الشرطة لا الجيش بفرض حظر التجوال أمرًا يرجع إلى الرغبة في اختبار قوتها على تنفيذ ذلك، بعد الدعم الكبير الذي حصلت عليه عقب انقلاب 3 يوليه 2013، وقيامها بتنفيذ عدة مجازر جماعية، وقمع أي معارض، ما يتوقع معه عدم تحدي الشعب لها بالخروج. والبعض الآخر قال إن تكليفها لا الجيش يدل على ثقة الحكومة في الشعب، ومدى الوعي الذي وصل إليه، وثقتها في كفاءة الشرطة والقدرة على فرض الحظر، وهو ما يعني ضمنا أن تطبيق الحظر هذه المرة لا يحتاج لقوة ودبابات ومدرعات كالسابق لقمع الشعب، وإنما هو أمر يقتنع به الشعب للقضاء على كورونا، ما يعني تسهيل مهمة من ينفذه. الأسباب الحقيقية ويمكن إجمال عدة أسباب وراء هذا القرار على النحو التالي: 1. عدم نزول الجيش وتكليف الشرطة فقط ربما هو بروفة لاختبار قوة الشرطة، فضلا عن الثقة في التزام المصريين؛ لأنه مرض وبائي قاتل لا أزمة سياسية. 2. الحظر ليس كاملًا ولكنه قصير من 7 مساء إلى 6 صباحا، ومن ثم لا يحتاج إلى تشديد الإجراءات، والأهم الرغبة في عدم رعب المصريين بنزول الدبابات والمدرعات، في ظل السعي إلى عدم تدمير الاقتصاد وإظهار أن الحالة خطيرة في مصر. 3. الأمر قد يكون له علاقة بأنباء انتشار كورونا بين ضباط الجيش والجنود، وحالة الارتباك داخل الجيش، فضلًا عن تكليفه بعمليات تطهير للمناطق المهمة مثل الوزارات والشوارع التي يمر منها السيسي في مصر الجديدة ومدينة نصر فقط. 4. تم إصدار تعليمات سرية للغاية من رئيس هيئة الأركان بالقوات المسلحة المصرية، لاتخاذ إجراءات للحد من انتشار كورونا داخل صفوف القوات المسلحة، تعني في مضمونها فرض العزل الذاتي على وحدات الجيش المصري، بحسب وثيقة مسربة من داخل الجيش نشرت على مواقع التوصل، ما يعني ضمنًا عدم تفرغ الجيش أو الخشية من نقله العدوى للشعب. 5. الشرطة بإمكانها البطش بأي محتج على قرار الحظر بحكم سمعتها السيئة، بعكس عدم رغبة السيسي في عدم تحميل الجيش أي عداء له من جانب الشعب، فهناك عشرات البوستات والتغريدات بدأت تنتشر على مواقع التواصل لموظفين وعمال وعاطلين يشكون من أنهم غير قادرين على الصرف على أسرهم، ولا يجدون الأكل لهم، وبعضهم يطالب بأي عمل ولو مسح سلم العمارات، وبينهم شباب كانوا يعملون في مطاعم مساء قبل غلقها، بموجب قرار غلق المحال الذي يعتبر حظر تجوال جزئي، والأهم أنهم يهددون بخرق الحظر للعمل. 6. السيسي يخشى إقفال الدولة أو حظر التجوال الكامل؛ حتى لا يتحول الأمر إلى تمرد، خاصة من الطبقات الكادحة التي تعيش اليوم بيومه في مصر، فقد يخرج هؤلاء إلى الشوارع من شدة الجوع والحاجة، أو قد يتحول الأمر إلى فوضى تكون سببًا في غليان شعبي يهدد عرش الجنرال أو يخلعه فجأة. 7. يخشى السيسي– المتواري عن الأنظار ويصدّر رئيس وزرائه للحديث عن كورونا- أن يؤدي استفحال الإصابات إلى أرقام ضخمة، وتحول مصر إلى بؤرة مرض خطيرة، ووجود حالة من الغضب الشعبي لعدم وجود إمكانيات كافية (مستشفيات ومراكز عزل) لعلاج الآلاف الذين قد يظهر عليهم المرض لو استمر معدل الإصابة في الارتفاع. 8. أيضا يخشى توجيه اللوم له لاهتمامه ببناء قصور رئاسية واعترافه بأنه سيبني المزيد منها، وأيضا المنتجعات السياحية للأثرياء، وتوجيه كل موارد الدولة لعاصمته الإدارية، فضلا عن غضب أطباء من تدهور أحوالهم (بدل العدوى 19 جنيهًا للطبيب مقابل 3 آلاف للقاضي!)، ما قد يؤدي لهزة شعبية غاضبة. 9. نزول الشرطة جزء منه متعلق بسياسة الجباية التي يتبعها السيسي مع الشعب برفض غرامات، حيث نشرت الشرطة صورة محضر مخالفة حظر التجوال، وتطبقه بالفعل على عشرات المصريين للجباية، بدعوى مخالفتهم حظر التجوال رغم صعوبة عودة بعضهم لمنازلهم بسبب الزحام، وأكد مصريون أنه تم فرض غرامة عليهم بالفعل 4 آلاف جنيه لمن يخرق الحظر. نفي الحظر ثم الحظر؟ وقبل حظر التجوال الرسمي بيومين، نشر نشطاء صورًا لدبابات الجيش في محيط مصر الجديدة وصلاح سالم، وقالوا إنها ربما مقدمة لحظر التجوال. وحين ترددت أنباء عن قرب فرض حظر التجوال بعد ظهور دبابات الجيش في بعض شوارع مصر الجديدة، نفى المتحدث العسكري ذلك، رغم أنه أغلق المحال والمقاهي والمولات مبكرا كجزء من إجراءات الحظر الجزئي والعزل التدريجي التي قد تصل لحظر التجول حال تفاقمت الإصابات بالفيروس. ولذلك كان غريبًا أن ينفي المتحدث العسكري فرض حظر تجوال بالمحافظات كإجراء احترازي لمواجهة فيروس “كوفيد-19″، ثم يعلن رئيس الوزراء قرارات الحظر، برغم حرص الجميع على نسب أي خطوة بما فيها الحظر إلى السيسي و”بناء على تعليماته”. ويبدو أن المتحدث العسكري نفى الحظر وهو يقصد نزول الجيش لتطبيق الحظر، كي يأتي القرار من مسئول مدني وتطبقه الشرطة المدنية، ولا يقال إن الجيش يعاقب المصريين وخصوصا البسطاء ممن يعملون باليومية، وسيكونون هم ضحايا كورونا الحقيقيين ماليًا.