“يريد رئيس مجلس السيادة السوداني الفريق أول عبد الفتاح البرهان مساعدة دولته في الدخول في عملية حداثة، وذلك من خلال إخراجها من العزلة ووضعها على خريطة العالم”، هكذا لخَّص نتنياهو سر قبول رئيس المجلس العسكري الانقلابي في السودان الالتقاء به، لهذا لا يبدو أن هناك أسرارًا خلف لقاء البرهان ونتنياهو. ولهذا لم يكن غريبًا أن يتصل نتنياهو بوزير خارجية أمريكا عقب اللقاء، ويعطيه الضوء الأخضر برضاهم عن الخرطوم، ورفع السودان من قائمة العقوبات مع إغرائهم بذلك حتى يقيموا علاقات دبلوماسية رسمية. حيث قال نتنياهو على تويتر: “يؤمن رئيس الوزراء نتنياهو بأن السودان تسير في اتجاه جديد وإيجابي وعبّر عن رأيه هذا في محادثاته مع وزير الخارجية الأمريكي.. يريد رئيس مجلس السيادة السوداني الفريق أول عبد الفتاح البرهان مساعدة دولته في الدخول في عملية حداثة، وذلك من خلال إخراجها من العزلة ووضعها على خريطة العالم!”. أيضًا قالت صفحة إسرائيل بالعربي، المعبرة عن الخارجية الصهيونية بوضوح: “يؤمن رئيس الوزراء نتنياهو بأن السودان تسير في اتجاه جديد وإيجابي.. ويريد البرهان إخراج دولته من العزلة”. وتسعى الحكومة السودانية لشطب اسم السودان من القائمة الأمريكية للدول الراعية للإرهاب، ضمن مهامها في الفترة الانتقالية التي بدأت منذ 21 أغسطس/آب الماضي، وتستمر 39 شهرا تنتهي بإجراء انتخابات، ويتقاسم السلطة خلالها كل من المجلس العسكري وقوى “إعلان الحرية والتغيير”، قائدة الحراك الشعبي. ورفعت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في 6 أكتوبر/تشرين الأول 2017، عقوبات اقتصادية وحظرًا تجاريا كان مفروضا على السودان منذ 1997، لكن واشنطن لم ترفع اسم السودان من قائمة “الدول الراعية للإرهاب”، المدرج منذ عام 1993، لاستضافتها الزعيم السابق لتنظيم القاعدة أسامة بن لادن. لماذا تدخلت أبو ظبي؟ كان ملفتا قول صحيفة “تايمز أوف إسرائيل”، نقلا عن مسئول صهيوني: إن أبو ظبي هي من تسعى لتقديم السودان على طبق من ذهب لإسرائيل، وهي من رتبت لقاء البرهان نتنياهو، وأن مصر والسعودية كانتا على علم بذلك!. أيضا قال مسئول عسكري سوداني رفيع المستوى، إن الاجتماع نُظم من قبل دولة الإمارات، وكان يهدف إلى المساعدة في إزالة السودان من قائمة الإرهاب التي تعود إلى التسعينيات، عندما استضاف السودان لفترة وجيزة أسامة بن لادن وغيره من المطلوبين. وقال المسئول العسكري السوداني لوكالة أسوشيتدبرس، إن دولة الإمارات هي التي رتبت اللقاء بين البرهان ونتنياهو. وهذا التدخل الإماراتي ليس مستغربًا، بعد دورها في مساندة انقلاب السودان اليساري ضد البشير، لمجرد أنّه واجهة للتيار الإسلامي رغم الخلاف حوله لاحقًا. أيضا كشفت صحيفة “واشنطن بوست” عن أن لقاء البرهان مع نتنياهو “رتبت له الإمارات بعلم مصر والسعودية”. وقد نشرت تفاصيل عن لقاء البرهان ونتنياهو تؤكد أنه استمر لمدة ساعتين، وتمت برمجته بسرية تامة بواسطة دولة الإمارات وبعلم وموافقة “حمدوك” رئيس الحكومة اليسارية في السودان فقط من دون الإفصاح حتى لأعضاء مجلسي السيادة والوزراء الذين سيتم تنويرهم اليوم، وبعدها سيصدر البيان الرسمي!. والنكتة أن مجلس الوزراء السوداني قال: لم يتم إخطارنا أو التشاور معنا في مجلس الوزراء بشأن هذا اللقاء، وسننتظر التوضيحات بعد عودة السيد رئيس مجلس السيادة، وتلقينا عبر وسائل الإعلام خبر لقاء الفريق أول عبد الفتاح البرهان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في عنتيبي بأوغندا. بل إن وزيرة الخارجية السودانية قالت: “لا نعلم بلقاء البرهان مع نتنياهو في أوغندا.. وسمعت من وسائل التواصل الاجتماعي!”. مكافأة اللقاء جاهزة ربما لهذا شكر وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، رئيس مجلس السيادة الانتقالي السوداني عبد الفتاح البرهان، على مبادرته لتطبيع العلاقات مع إسرائيل، بعد لقائه رئيس الوزراء الإسرائيلي المنتهية ولايته بنيامين نتنياهو، ووجه له دعوة إلى زيارة واشنطن. وشكر الوزير بومبيو، البرهان على مبادرته لتطبيع العلاقات مع إسرائيل متمثلة في الاجتماع الأخير له مع نتنياهو في أوغندا (الإثنين) بدعوة من الرئيس الأوغندي يوويري موسيفيني". وكان ملفتًا أن اللقاء تم عقب دعوة وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو رئيس مجلس السيادة الانتقالي السوداني عبد الفتاح البرهان لزيارة أمريكا، والهدف أن يتم ربط رفع العقوبات عن السودان بالتطبيع، وقد طرح هذا أيام البشير ولكنه رفض. ويتردد أن لقاء نتنياهو وعبد الفتاح البرهان لا يعبر عن التقاء مصالح مشتركة بين الجانبين، بل يعكس المصالح المشتركة بين إسرائيل والأطراف الإقليمية الراعية لمجلس البرهان، فلإسرائيل وهذه الأطراف مصلحة في توظيف السودان في دعم حفتر، سيما بعد الاتفاق الليبي التركي، الذي يهدد المصالح الصهيونية. أيضًا يرى مراقبون أن لقاء نتنياهو مع البرهان سيكون كارثة لمصر والسودان بحوض النيل الذي أصبح بالكامل ضمن نفوذ دول لا تلتقي مصالحها مع مصر أو السودان بعشرات القضايا، ولأنه يعني عودة إفريقيا لحضن إسرائيل، وهو تعبير استعمله نتنياهو، لن يفهمه العسكريون الجدد الذين غطت أحلامهم بالسلطة على إدراكهم لحدود الأمن القومي. دلالات اللقاء 1. كل عسكر المنطقة يدركون أن هذا هو الباب الأمريكي الملكي لتثبيت حكمهم، مهما ارتكبوا من جرائم ضد شعوبهم. 2. من يقرأ التاريخ يجد أن الخيانة والحكام الخونة هم السبب الرئيسي في تراجع الأمة وهزيمتها، فالوجوه تتغير والمشاهد تتكرر وطرق الخيانة تتعدد والنتيجة واحدة، والسيسي نموذج لهؤلاء. 3. السؤال الذي لم يسأله أحد: هل السيسي وعباس كامل كانت لديهما فكرة عن لقاء البرهان مع نتنياهو، خاصة أن صحف إسرائيل قالت إن اللقاء تم بعلم مصر والسعودية، ومصر لا تحب أن تكون آخر من يعلم فيما يختص بشئون السودان؟ 4. المهم في الأمر أن القاسم المشترك بين الجنرالات العرب الذين يصلون للسلطة، هو التبعية والارتهان للخارج على حساب القضايا الوطنية والقومية، وهم أغبياء سياسيا. 5. عندما فتح أحد قادة تمرد دارفور (عبد الواحد محمد أحمد النور) مكاتبه في إسرائيل، اتهمتهم الحكومة السودانية (حكومة البشير السابقة) بأنهم عملاء إسرائيل، واليوم ها هو البرهان رئيس الانقلاب ضد البشير يقابل نتنياهو. 6. ما هي مصلحة البرهان الشخصية في لقاء مع نتنياهو في هذا التوقيت رغم الثمن السياسي الفادح الذي قد يترتب عليه؟ هل هي أموال الإمارات أم تثبيت دعائم حكمه مثل السيسي بتقاربه مع الصهاينة؟.