كان امرا غريبا ان يتم اعتقال وحبس رئيس اركان الجيش المصري سامي عنان بقرار من مجلس السيسي العسكري الذي عينه بنفسه، وسط صمت من المشير طنطاوي وباق الجنرالات الذين كان يعمل السيسي تحت إمرته. ورغم الغموض الذي يلف المؤسسة العسكرية وكل ارجاء مصر منذ الانقلاب العسكري 2013، فقد ظهرت مؤشرات على تململ داخل المؤسسة، انعكس على تغيير وابعاد قيادات واحلال وتجديد، ويبدو أن كل هذا لم يشفع للسيسي فاضطر لإطلاق سامي عنان بل وإعادة رموز عسكرية قوية ابعدها. لا أحد يعلم هل الافراج عن سامي عنان جاء كصفقة بين الرفاق العسكريين المتصارعين أم انقلاب ناعم ضد السيسي اجبره بموجبه العسكر على الرضوخ لمطالبهم؟ أم تصرف مفاجئ من السيسي لإرضاء الرفاق المتصارعين؟ هل غموض سبتمبر 2019 حين وقعت مظاهرات قيل انها مدعومة من عسكريين لإبعاد السيسي ولهذا ارتبكت الداخلية في التعامل معها، ينجلي في ديسمبر 2019؟ هل القصة صراعات بين الرفاق العسكريين الذين يختلفون على السلطة، ويتفقون على الاستبداد، وكل ما دون ذلك ليس أكثر من تفاصيل وأدوات ومؤثرات صوتية وخداعات بصرية؟ ماذا جري؟ سامي عنان صدر ضده حكمان 3 و6 سنوات أي 9 سنوات وفق اتهامات وجهها له المجلس العسكري فلماذا تم الافراج عنه وما مصير الاحكام؟ وهل هي احكام ملاكي ورسالة لعنان الا ينافس السيسي؟ والا يعني هذا ان اتهامات المجلس العسكري له أكاذيب؟ ورفض جنرالات مجلس السيسي العسكري في يناير 2018، طلب عنان الترشح في تمثيلية انتخابات الرئاسة التي فاز فيها السيسي، لكونه “لا يزال تحت الاستدعاء”، حسب بيان رسمي، وأحيل عنان للتحقيق في القضية رقم 1لسنة 2018 بقرار من المدعي العام العسكري بتهم ارتكاب مخالفات قانونية صريحة، مثلت إخلالاً جسيماً بقواعد ولوائح الخدمة بضباط القوات المسلحة!! لذلك كان الإفراج المفاجئ عن الفريق سامي عنان بعد اعتقاله لنحو عامين إثر اعتزامه الترشح لانتخابات الرئاسة وخروجه من المستشفى العسكري التي كان يقيم بها الي منزله بعد قرار النيابة العسكرية، خطوة غريبة لتزامنها مع حركة تنقلات واسعة داخلة قيادات القوات المسلحة البعض فسرها على انها جزء من رياح مظاهرات 20 سبتمبر ضد السيسي، والبعض الاخر فسرها على أن هناك تسوية تمت داخل المؤسسة العسكرية لاحتواء الأزمة الداخلية التي أعقبت ظهور محمد علي وكشف المستور، وأنه نتج عن هذه التسوية إبعاد محمود السيسي وعودة اللواء أسامة العسكر وأخيرا الإفراج عن الفريق سامي عنان رئيس أركان الجيش سابقا؟! فبالتزامن مع التغيير الوزاري في مصر يتم الإفراج عن الفريق سامي عنان؛ في نفس الوقت يتم إرجاع عدد من اللواءات الذين خرجوا من دولة يوليو مثل الفريق أسامة عسكر للخدمة؛ وكذلك عودة محمود حجازي رئيس الأركان السابق ليتولى ملف الإعلام؛ فهل كلها مؤشرات على قوة طنطاوي ورجاله داخل المؤسسة العسكرية وضغوطهم علي السيسي؟! هل أفرجوا عن عنان ليموت في منزله؟ هناك من يري أن إطلاق سراح سامي عنان جاء لأنه مريض منذ فترة ولا يريد السيسي أن يقال انه قتل رئيس اركان الجيش السابق ورئيسه في العمل داخل السجن. فالإفراج عن سامي عنان في هذا التوقيت مريب جدا فربما يكون مريض بمرض خطير أو جري تسميمه بسم طويل المفعول ليموت في منزله وتبدو الوفاة طبيعية؟ فوكالة أنباء أسوشيتد برس نقلت عن ناصر أمين محامي عنان قوله إن الإفراج تم ل “أسباب صحية” والكاتبة الدكتورة غادة شريف التي دعمت السيسي ثم انقلبت عليه تري أنه: “خرج علشان عنده شلل رباعي بقاله سنة وحالته تدهورت، والشلل جاله بعد عملية لإزالة ورم في المخ عملها له جراحين من فرنسا جابهم على حسابه”. قبلها صرح ناصر أمين محامي الفريق عنان ل CNN: “لا أعرف الصيغة القانونية التي بموجبها أفرج بها عن موكلي سامي عنان”!! كما نفى ناصر أمين لموقع “القاهرة 24″، تقديم الفريق عنان التماسا لتخفيف الحكم أو صدور عفو بشأنه من الحاكم العسكري، وقال إن الأحكام التي صدرت في يناير الماضي من المحكمة العسكرية، لم يتم التصديق عليها من الحاكم العسكري، ومن ثم يحق وفقًا لصلاحيات القضاء العسكري الإفراج عن المتهم في أي وقت دون إبداء أي أسباب. أما سمير عنان نجل الفريق سامي عنان فقال ل BBC: والدي بالمنزل الان بعد الإفراج عنه، ورفض الإفصاح عن وسيلة الإفراج عنه سواء بعفو رئاسي أو رفض التصديق على الحكم أو غير ذلك هل ما حدث انقلاب ناعم؟ هناك تساؤلات اخري تقول: هل تم تحرير سامي عنان بموجب ضغوط من جناح موالي له ولطنطاوي داخل الجيش؟ بعبارة أخري، هل رفع المشير طنطاوي وفريقه في الجيش الشبشب علي السيسي؟ أم أن عنان ينازع الموت وطلعوه يموت على فرشته؟ أم خرج بموجب ضغوط دولية والامريكان بعثوا الامر فإتنفذ دون نقاش؟!! يبدو من بعض المؤشرات أن ما يحدث انقلاب ناعم ضد السيسي قد يبدو ليس كاملا ولكنه نتيجة ضغوط او مؤشرات نقلتها لها مخابراته الحربية التي كانت يتولى مسئوليتها سابقا عن تململ داخل الجيش لأسباب مختلفة منها البطش بكبار الضابط وسجن بعضهم وتورط الجنرالات في البيزنس. لهذا قيل بعد تحرير سامي عنان من سجنه وإبعاد محمود السيسي إلي موسكو وإخراج الفريقين محمود حجازي وأسامة عسكر من ثلاجة الاعتقال المنزلي إلى مواقع مؤثرة وتعيين وزير معروف بانتقاداته لتوجهات السيسي الإعلامية وعودة قيادات مبعدة لمواقع مؤثرة في المخابرات، أن هناك محاولات مستمرة من السيسي ودائرته الضيقة لإدخال تعديلات على الأوضاع البائسة والفاشلة وارضاء العسكريين خشية ان يلقي السيسي مصير عنان لاحقا؟ بعبارة أخري ربما يبدو الامر كتحجيم جزئي لسلطات السيسي المنفردة، فالعسكر منذ يوليه 1952، يتداولون السلطة بين بعضهم البعض وفق انقلاب اناعم أو عنيف أو الاستنحار، وما لم يمكن هذه التغيرات الاخيرة تعني التعايش بينهم فإن جولة أو جولات أخري في الطريق. ولكن يثار السؤال: لماذا لم يتم الافراج عن العقيد دكتور مهندس أحمد عبد الغفار حسن قنصوه 44عام مدرس الهندسة المعمارية بالكلية الفنية العسكرية والذي ترشح ضد السيسي ولفقت له اتهامات مشابهة وتم سجنه 6 سنوات وتهمته نفس تهمة الفريق سامي عنان بالضبط! ويري الحقوقي بهي الدين حسن أن الأمر لم يبدأ بمظاهرات سبتمبر بل منذ عامين، وفقا لمقاله المنشور في موقع كارنيجي بعنوان: “النقاشات الداخلية حول التعديلات الجديدة في مصر تكشف عن تجدُّد الصراع بين الرئيس والجيش على السيطرة السياسية“. حيث يؤكد المقال أن ما يجري يرجع الي مايو 2019 والتعديلات الدستورية ويرجح أمران: (الأول) النقاشات الداخلية حول التعديلات الدستورية الجديدة في مصر تكشف عن تجدُّد الصراع بين الرئيس والجيش على السيطرة السياسية. (الثانية): أنه ما لم يتدخل عقلاء الجيش لوقف عبث السيسي وجنرالاته المقربين مما يجري من اقحام له في الحياة السياسية، فسوف ينتهي الامر لمأساة سوريا، حرب أهلية، وفوضي في مصر الخلاصة ملابسات الإفراج عن عنان لا تقل عبثية عن ملابسات الاعتقال فلا أحد يعرف لماذا اعتقل وسجن ولا أحد يعرف لماذا اخرجوه ما يؤكد أن مصر تُحكم بقرارات فردية سرية ولا يوجد شيء يسمي قانون ودستور. وأسباب خروج سامي عنان رئيس أركان الجيش المصري من السجن، الحقيقية ستتضح ما إذا كان صفقة من عدمه بأحد أمرين: الأول: إذا التزم الصمت فهذا يؤكد أن خروجه تم بصفقة مسبقة الثاني: إذا لم يلتزم الصمت وتكلم في الشأن العام وخاصة قضية نهر النيل فهذا يؤكد أن خروجه تم بضغط مورس على السيسي ولكن المؤكد أننا نعيش حاليا مرحلة تبعات تظاهرات سبتمبر وتصريح القصور واعادة ترتيب البيت من الداخل لضمان استقرار حكم الانقلاب، لأن السيسي مدرك إن أي مخاوف حقيقية تتعلق بحكمه تنبع من داخل النظام وليس من المعارضة