في الوقت الذي يمضي فيه طاغية مصر وفرعونها عبدالفتاح السيسي وقته محتفلاً مع حفنة من مئات الشباب الموالين له في منتجع شرم الشيخ على نفقة الدولة مهدرًا ملايين الدولارات، رغم أن مصر “بلد فقيرة أووي”، بحسب وصف زعيم الثورة المضادة، لا يجد شباب مصر الضائع سوى الموت انتحارًا للتخلص من جحيم حياة لا تطاق تحت حكم العسكر الدموي. وشهدت مصر حالة انتحار ثالثة أمس الأحد بالتزامن مع احتفال السيسي في منتجع شرم الشيخ؛ حيث أنهى كهربائي بالدقهلية حياته معلقًا بحبل في مروحة بسقف منزله بمدينة المنصورة، واكتشف الجيران جثته بعد عدة أيام، عقب تصاعد رائحة كريهة من الشقة. انتقلت مباحث قسم شرطة أول المنصورة، إلى مكان الواقعة، وبالفحص تبين أن الشاب يدعى إبراهيم عز الدين، 23 سنة، يعمل كهربائيا، ووجد مشنوقا من رقبته ويتدلى من مروحة بالسقف، وأسفله منضدة وتنبعث منه رائحة كريهة تدل على أن الوفاة وقعت منذ عدة أيام. وبسؤال أشقاء المتوفى أكدوا أنه يعمل كهربائيًّا ويقيم في الشقة بمفرده، وأنهم حاولوا الاتصال عليه أكثر من مرة خلال اليومين الماضيين لكنه لم يرد، وفوجئوا بشكوى الجيران بانبعاث رائحة كريهة من الشقة، وعندما كسروا الباب وجدوه يتدلى من السقف. وتعد هذه الحالة الثالثة في يومين، حيث انتحر شابان في الجيزة أول من أمس، الأول لشاب داخل مسكنه معلقًا بحبل غسيل في سقف غرفته، وتبين أن الجثة لشاب يدعى “حسن. م”، 17 عاما، قرر الانتحار بسبب مروره بأزمة نفسية سيئة بعد فشل علاقته العاطفية؛ حيث علق حبل غسيل في غرفته وشنق نفسه. وتلقى قسم أبوالنمرس بلاغًا بالعثور على جثة شاب داخل مسكنه، تم العثور عليه معلقًا في بنطال بسقف غرفته، وبالانتقال، تبين صحة البلاغ، وكشفت التحريات أن الشاب يدعى “إسلام. أ”، 20 سنة، عاطل، كان يمر بحالة نفسية سيئة بسبب منع والده له من النزول إلى الشارع، فقرر الانتحار، وتحررت المحاضر اللازمة وأخطرت النيابة للتحقيق. لماذا ينتحر المصريون؟ وبحسب الباحث سامح راشد، فقد ارتفعت نسب الانتحار في مصر، حتى بلغت في الأشهر القليلة الماضية مستوىً غير مسبوق، فقد انتحر أربعة أشخاص في أقل من يومين، ووصل العدد إلى 13 في أسبوع. وهي أرقام شهر ديسمبر الجاري. وربطت تحليلاتٌ كثيرة بين زيادة حالات الانتحار والأداء السياسي والاقتصادي للنظام الحالي الحاكم في مصر، وهو ما دفع مؤسسات رسمية إلى محاولة نفي هذا الاتهام بأكثر من وسيلة، كان أكثرها طرافة تقليل رئيس البرلمان علي عبد العال، من حجم الظاهرة وانتشارها في مصر؛ حيث قال إن معدلات الانتحار في مصر ليست عالية، وتعد من أقل المعدلات في العالم وفضلاً عن أنه لم يستعن بأي أرقام أو يستشهد على كلامه بإحصائيات دولية، حاول أيضًا تكذيب من يعزو الظاهرة إلى الفقر ومعاناة الغالبية العظمى من المصريين، بمنطق سد الذرائع، فقال: إن هناك ضرورة لتعريف المواطنين بحجم الإنجازات التي تتم في مصر، وسيشعر بها المصريون لاحقًا. وبالرجوع إلى أرقام منظمة الصحة العالمية وتقاريرها، يتضح أن المعدل في تزايد منذ خمسة أعوام، وأن مصر حققت قفزاتٍ سريعةً على سلم أكثر الدول العربية انتحارًا، حتى تصدّرته منذ عام 2016. قبل السودان واليمن التاليين لها مباشرة، ومتقدّمة بنسبة كبيرة على العراق وسورية وليبيا التي تعاني من اقتتال أهلي وفوضى أمنية. ومتقدّمة أيضًا على لبنان وموريتانيا وجزر القمر وجيبوتي، وهي دول تعاني اقتصاديًا بشدة. ويعزو راشد أسباب تزايد معدلات الانتحار في مصر إلى انعدام الحرية، متسائلاً: لماذا تتفوق مصر على هذه الدول، انتحارًا، وهي أكثر أمانًا وتماسكًا كدولة من المجموعة الأولى. واقتصادها ليس أكثر معاناة من الثانية؟ إنها الحرية.. نعم، الحرية. الحق في التعبير. التنفس أفكاراً وتعاطي الآراء وأضدادها. الشعور بأن للمواطن في وطنه صوتاً يُسمع، وكلمة يؤخذ بها أو يُردّ عليها. ويضيف أن على الرغم من أن المعاناة الاقتصادية والعجز أمام أعباء الحياة اليومية البسيطة هي الأصل في حياة المصريين، إلا أنها تجاوزت، في الأعوام الأخيرة، قدرة تحمّل المصريين، وهي قدرة عالية. ولكن الأسوأ أن الإفقار الاقتصادي لم يعد يتخفى أو يتجمل كدواء مُرّ بطعم حلو خادع، وإنما يتجرّعه المصريون بحالته الخام الفجّة إلى حد الاستفزاز. ولا حق لأحد حتى في التبرّم أو التأوه ألمًا. ويختم بأن المصري ينتحر لأنه لا يساوي شيئًا عند الدولة، ولا عند أقرانه، إلى حد جعل مدير قطار أي موظف صغير يجبر مواطنًا فقيرًا مثله على القفز والموت تحت عجلات القطار، عندما يشعر المواطن أن دوره في الحياة هو البذل والعطاء والتحمّل والصبر والانصياع، وفقط، فلا تكون للحياة قيمة، وتفقد أي مبرّر لها، خصوصًا عندما يكتشف بفتوى رسمية أن الانتحار ليس كفرًا وإنما مجرّد ذنب، فيكون الانتحار وتحمّل عاقبته عند أعدل الحاكمين أفضل عند المنتحر من حياة كلها عقاب تلو عقاب، من دون ذنوب.