· رؤساء تحرير صحف حزبية وخاصة يدشنون حملة مشتركة لتأييد الدستور الانقلابي · يلغون عقل وتفكير المواطن ويطالبونه بالموافقة على الدستور الانقلابي دون مناقشة · يبحثون عن أطماعهم ومكاسبهم الشخصية دون النظر إلى مصلحة الوطن والشعب · سيطرة رجال الأعمال على الصحف الحزبية والخاصة جعلها أدوات رخيصة للبحث عن المصالح · الإعلام الانقلابي يتخلى عن مهنيته وحرفيته لصالح مواقف سياسية زائلة · الإعلام ابتعد عن دوره الحقيقي في إرشاد وتعليم القارئ والمشاهد بحقوقه في التصويت استمرارا لحالة عدم المهنية التي يتبعها إعلاميون وصحفيون ومؤسسات إعلامية وقنوات فضائية وصحف تابعون ومؤيدون للانقلاب العسكري الدموي على الشرعية الدستورية والقانونية.. دشن عدد من رؤساء الصحف الخاصة والحزبية حملة مشتركة لحث المواطنين على التصويت ب"نعم" في الاستفتاء الانقلابي على الوثيقة السوداء المسماة بدستور الدم. وما يقوم به إعلام الانقلاب والفلول هو استمرار لما قام به أيام الرئيس الشرعي للبلاد د. محمد مرسي؛ إذ كان الإعلام رأس حربة في عملية الانقلاب على الشرعية؛ حيث أخذ على عاتقه الكذب والتضليل وتشويه الرئيس المنتخب، والتمهيد للقضاء على ثورة يناير وتشويه رموزها وكل من شارك فيها، وإعادة كل ما له علاقة بنظام المخلوع حسني مبارك بفساده واستبداده. واستمرارا لهذا الدور الانقلابي، تبدأ الصحف الانقلابية ليس في تعريف المواطن بحقيقة دستور الدم، ولا حتى مناقشته وتفنيد مواده، بل اتفق عدد من رؤساء التحرير على وضع أنفسهم موضع العقل من المواطن، فقاموا هم بالتفكير له واتخاذ القرار ومن ثم ليس أمام رجل الشارع إلا أن يستجيب ويتبع إرادة تلك الصحف مغلقًا قلبه وعقله، ضاربًا بمسئوليته تجاه نفسه ووطنه عرض الحائط، ليقوم فقط باتباع املاءات الآخرين والسير خلف ما يرتأون. دعاية رخيصة وكان رؤساء تحرير الصحف المشاركون فى الدعوة التى وجهها محمد مصطفى شردى -رئيس مجلس إدارة جريدة الوفد- لدعم الدستور الانقلابي قد اتفقوا خلال اجتماعهم بمقر الجريدة الأربعاء الماضي 8 يناير على شعارات موحدة لكل الصحف الحزبية والخاصة لتأييد ما أسموه ب"دستور ثورة 30 يونيو"، على حد زعمهم. حضر الاجتماع كل من خالد صلاح رئيس تحرير جريدة اليوم السابع، وعماد الدين حسين رئيس التحرير التنفيذى لجريدة الشروق، ومحمد سمير نائبا عن محمد سلماوى رئيس تحرير المصرى اليوم، وعدد من قيادات جريدة الوفد. وقد خلصت المناقشات بعدد من الشعارات لتلك الحملة المقترحة من بينها: "من أجل مصر.. من أجل الاستقرار.. نعم للدستور" و"اكتب أول كلمة فى مستقبل أولادك.. نعم للدستور" و"هنقول نعم للدستور.. هنقول نعم لمصر" و"نعم للدستور.. لاستقرار يومنا.. وأمن مستقبلنا" و"بإيدينا نخلى الحلم حقيقة.. نعم للدستور". وذلك دون العروج على أسباب ما سوف يجعل البلاد أفضل في ظل ما تشهده منذ 30 يونيو وحتى الآن من تراجع اقتصادي مفزع وتفكك اجتماعي؛ فضلا عن عمليات الترويع والقتل وفقدان الحريات وفتح المعتقلات وانتهاك الحرمات التي تقوم بها ميليشيات الانقلاب الدموي، كما أن وثيقة الانقلاب تجعل من هوية البلاد هوية ممسوخة مشوهة تبعد بها عن الدين والفطرة، وتستجيب للضغوط الدولية في الإعلاء من شأن المواثيق الحقوقية التي تخالف التقاليد والأعراف والفطرة السليمة. والحقيقة أن تبني الصحف ووسائل الإعلام لوجهة نظر النظام الانقلابي إنما هو مؤشر ودليل بيّن على أن البلاد حاليا تعاني من تسلط حكم فاشي ديكتاتوري؛ فمن المعروف تاريخيا أن من سمات تلك الأنظمة القمعية أنها تهيمن على الصحف ووسائل الاعلام والاتصال الأخرى، كما تعمل على بث الدعاية للترويج لسياساتها، في حين تمارس رقابة صارمة على المطبوعات لقمع الآراء المناوئة لها. وهذا ما حدث بالضبط منذ الانقلاب في غلق كافة الفضائيات المتوقع تأييدها للشرعية، فضلا عن منع طبع صحيفة "الحرية والعدالة" المتحدثة باسم حزب الحرية والعدالة مؤخرا. ومن المؤسف أن تتجه الصحافة الحزبية والخاصة للدعم المباشر والدعاية الفجة للنظام الانقلابي؛ في حين أن هذا النمط من الملكية من المفروض أن يكون معبرا عن الشعب ومناوئا للسلطات خاصة في فسادها وتجبرها؛ وهو الأمر الذي لا نجده في مصر حاليا؛ حيث أدت سيطرة رجال الأعمال ورؤوس الأموال على تلك الصحف إلي أن تجعل منها أدوات رخيصة للبحث عن المصالح وقيادة الثورة المضادة للحفاظ على عالم الفساد الذي ترعرع في ظل المخلوع مبارك. مواقف سياسية زائلة وتعليقًا على قيام رؤساء تحرير صحف حزبية وخاصة بحملة لتأييد الدستوري، يقول الدكتور عادل فهمي -أستاذ الإعلام بجامعة القاهرة-: إنه لا توجد الآن قواعد ولا مواثيق ولا معايير تحكم عمل الإعلام؛ فهناك من يموّل وهناك من يوجه والمصلحة الحالية لقطاع كبير من مؤسسات الدولة تدفعهم لعمل أي شيء من أجل المضي في خارطة الطريق، فالمسألة ليست مهنية بل سياسية حزبية. وحول كيفية التأريخ للتعامل الصحفي الحالي مع الاستفتاء على وثيقة دستور الانقلاب الدموي، يوضح فهمي أن هذه فترة مختلطة وملتبسة والصحافة في معظم الأحوال تخدم النظام القائم وتقدم مبررات لاستمراره، وكثيرا ما يحث أن يدعم الإعلام من بيده القوة والتشريع والتمويل، والأخطر هنا دخول رأس المال على موضوع العمل السياسي وتحقيق مصالح حزبية أو شخصية في ظل الفوضى وإذا توفر المال والفوضى يمكن للإعلام أن يهدم دولا. ويضيف أستاذ الإعلام بجامعة القاهرة: "لذا فنحن في أصعب وأخطر مرحلة في تاريخ الإعلام؛ حيث اختار أن يتخلى عن مهنيته وحرفيته لصالح مواقف سياسية زائلة، والوطن هو ما يخسر كثيرا بتغييب الحقائق". وتابع: "نحن في مرحلة غير مستقرة ولا يحاسب فيها أحد الإعلام على ما يفعل، والنقابة غير فعالة والقانون والتشريع الإعلامي غير سار، فهذه للأسف طبيعة المرحلة، ونرجو أن يفيق المسئولين لإنقاذ الإعلام المصري". وأشار "فهمي" إلى أن المجتمع منقسم أفقيا ورأسيًا؛ ومنطق القوة هو المتغلب الآن على الشرعية الشعبية التي يحاول أنصارها إعادة الأمور إلى إرادة الشعب؛ في حين أن التوازن مرهون بالقوة على الأرض؛ وهي هنا تعني قوة الأمن مقابل قوة التظاهر الشعبي؛ والخاسر هو مصر إن لم يحسم هذا الصراع قريبا؛ فقد نفاجأ بتدهور وإفلاس اقتصادي وعدوان من الأعداء الخارجيين على أراض مصرية، فالنظرة الشاملة مطلوبة لما نحن فيه الآن وعلى الإعلام ألا يكون خنجرا مسموما في ظهر مصر. أبواق للدعاية من جانبه يرى الدكتور سعيد الغريب -أستاذ الإعلام بجامعة القاهرة- أن اتفاق الصحف والإعلام على تدشين حملات للتصويت ب"نعم" في الاستفتاء أمر لا يجوز مهنيا على الإطلاق ويبتعد بالإعلام عن دوره الحقيقي كل البعد؛ فدور الصحفي والإعلامي فى مثل هذه الحالات أن يرشد ويعلم القارئ والمشاهد والمستمع بحقوقه في عملية التصويت على أى استفتاء؛ بما تقضيه النظم الديمقراطية. وأضاف الغريب أن الإعلام يجب عليه أن يُعرّف ويُبصّر مستقبليه بأن المواطن فى هذه الحالة أمامه خيار من ثلاثة خيارات، وهي: التصويت بنعم أو بلا أو المقاطعة؛ فالمقاطعة هي حق للمواطن شأنها شأن التصويت بنعم أو بلا. وأشار أستاذ الإعلام بجامعة القاهرة إلى أن الجميع يتذكر ما كان يقدمه الاعلام نفسه أيام الاستفتاء على دستور 2012، حيث كانت هناك حملات على بعض القنوات المعارضة للحكم آنذاك تدعو الجماهير بالتصويت ب"لا"، أما الحملات الرسمية التى كان يرعاها النظام الحاكم ويبثها الإعلام كانت شعاراتها تحمل ما يعني: انزل شارك اقرأ دستورك ثم فكر ثم قرر، وهنا يترك الحرية للمواطن فى إبداء رأيه وتوجيه صوته فى الدستور، وهذا ما ينبغي أن يقوم به الاعلام فى الدول الديموقراطية. وأوضح أن تفسير تلك الحملات الداعية للتصويت بنعم يأتي فى إطار أن الإعلام –وأقصد هنا كل الإعلام المصري الآن- هو جزء من النظام الحاكم، وهو هنا الانقلاب، يرى بعينيه ويؤتمر بأمره. وحول مخاطر ذلك على الدور الاجتماعي والسياسي للإعلام يضيف الغريب: في هذه الحالة من سيطرة النظام على الاعلام فلا يوجد من الأساس -إعلام حقيقي- حتى نتحدث عن دور له سياسي أو اجتماعي أو غيره؛ لأنه بذلك يتحول إلى أبواق دعاية لمخططات النظام ورغباته التى قد تتفق أو تختلف مع رغبات الشعب واحتياجاته الاجتماعية والسياسية والاقتصادية وغيرها.