قذف اللاعبون أوريليو دي لورينتس في الهواء فيما انهمرت دموع الفرح من والتر ماتزاري تحت سحابة كثيفة من الدخان الأزرق الذي لم يغطي فقط أجواء ملعب سان باولو، بل مدينة نابولي بأكملها. لقد عاد فريق مارادونا إلى أوروبا من جديد، في معجزة كان سببها رئيس النادي دي لورينتس والمدير الفني ماتزاري بقيادة الفريق نحو دوري الأبطال في الموسم المقبل، بعدما احتلوا المركز الثالث متخطين في ذلك فرق بحجم يوفنتوس وفيورنتينا وروما ولاتسيو. دي لورينتس هذا لم يكن له أي علاقة بكرة القدم قبل سبع سنوات. فهو كان ولايزال منتجا سينمائيا شهيرا دخل مغامرة مع ناد ساحلي له جماهير عاشقة للكرة (هل يذكركم برئيس ناد "مصري" تنطبق عليه نفس الصفات؟) أما ماتزاري فهو متخصص إعادة تأهيل النجوم في الدوري الإيطالي، وكان سببا في استعادة عدد من اللاعبين لأفضل مستوياتهم، على رأسهم جيامباولو باتزيني، وأنطونيو كاسانو وأخيرا إديسون كافاني. فكيف كتب منتج سينمائي غير خبير بالكرة ومدرب اعتاد إخراج النجوم للجمهور الإيطالي دراما عودة نابولي للحياة بعدما تم إعلان إفلاس النادي في 2004؟ رجل الأعمال دي لورينتس يعمل في مجال الإنتاج السينمائي في إيطاليا منذ أن كان في ال15 من عمره، إذ انحدر من أسرة خبيرة بهذا المجال، وخاصة عمه دينو، الذي كان منتجا لعدد من أفلام المخرج الإيطالي الأسطوري فيديريكو فيلليني. وفيما كان نابولي يصارع في القسم الثالث بسبب إعلان إفلاسه بعد بلوغ ديونه ما يقرب من 79 مليون يورو، وعدم قدرته على الوفاء بالمتطلبات المالية للعب في القسم الثاني، دخل الرجل بثقله المالي وخبراته الإدارية لإنقاذ النادي والاستثمار فيه. وكان مفتاح نجاح نابولي مع دي لورينتس هو اعتراف الأخير بافتقاره لخبرات كرة القدم. "من خلال خبراتي السابقة، أعلم تماما أنني لن أنجح إلا عندما أختار الأشخاص المناسبين لمساعدتي في أي مشروع جديد" .. هكذا قال دي لورينتس عن بداية تجربة نابولي. وتابع الرجل الذي يترأس نابولي من مكتبه بالعاصمة الإيطالية روما "لا أحتاج للذهاب هناك بشكل يومي، علي فقط وضع الاستراتيجيات واتخاذ القرارات الكبرى، وهذا كفيل بوضع النادي على الطريق الصحيح". وتولى المدير الرياضي بييرباولو مارينو مسؤولية الإدارة شؤون النادي اليومية فيما وضع دي لورينتس ثقته في إيدي ريجا مديرا فنيا لانتشال الفريق - الذي فاز من قبل بالدوري الإيطالي مرتين وبكأس الاتحاد الأوروبية مرة – من القسم الثالث.
الأيام الذهبية: مارادونا بقميص نابولي وتتركز القرارات الاستراتيجية التي تولاها دي لوينتس في حساب النفقات والإيرادات، والمبلغ الذي يمكن استثماره في النادي، وكيفية صرف عوائده، وتحقيق توازن صحي بين رغبات الجمهور في ضم نجوم وبين تقوية مركز النادي المالي وزيادة رأس ماله. وكان توجه الرجل منذ اليوم الأول هو الاستثمار في التعاقد مع لاعبين واعدين صغار السن كي ينمو النادي ماليا وفنيا على حد سواء. ويوضح دي لورينتس في سياق حديث طويل لمجلة "كالتشيو إيطاليا" في ديسمبر الماضي أنه لم يرغب أبدا في ضم لاعبين كبار وسبق لهم تحقيق بطولات، في ظل انتظار الجمهور للتعاقد مع مارادونا أخر، بعدما قاد الأسطورة الأرجنتينة الفريق للقبه الأوروبي الوحيد موسم 88-89. وتابع "سياستنا تعتمد على التعاون مع كشافين في جميع أنحاء العالم لمتابعة اللاعبين أصحاب المواهب. نفضل الاستثمار في المواهب الصغيرة كي يصبحوا أبطالا في المستقبل". وكمثال حي، ضرب دي لورنتس مثالا بلاعبين هما ماريك هامسيك الذي ضمه النادي مقابل 5.5 مليون يورو وإيزكيل لافيتزي مقابل 6 ملايين يورو، وبات كل منهما يقدر بأربعة أضعاف هذا الرقم الآن بعد التألق مع نابولي. مدرب الهدافين وبتحقيق الاستقرار الإداري، جاء الدور على إيدي ريجا لترجمة هذه العوامل إلى نتائج في الملعب، لاسيما مع التفاؤل الكبير الذي اجتاح الجماهير وجعلهم يحققون أعلى معدلات حضور بين القسم الثالث، بل وزادت معدلاتهم عن بعض الأندية التي تنافس في الدوري الممتاز بحضور 51 ألف مشجع في إحدى المباريات. وانتهى موسم 2005-2006 بصعود الفريق إلى القسم الثاني، ولم يحتج الفريق إلى لموسم واحد قبل أن يتأهل مع جنوة إلى الدوري الممتاز، واحتل فيه المركز الثامن بعد مشوار مثير للإعجاب، نجح خلاله في الفوز على ميلان وإنتر ويوفنتوس وفيورنتينا! ورغم تدعيم الفريق بشكل جيد في الصيف، فإن ريجا فشل في الحفاظ على مستويات الفريق وتعرض لأكثر من هزيمة وضعته في المركز ال11 بحلول مارس 2009 ما دعا دي لورينتس إلى إقالته والتعاقد مع روبرتو دونادوني، الذي أقيل هو الأخر مع انطلاق الموسم التالي بسبب سوء النتائج. وجاء حينها دور ماتزاري، صانع الهدافين، الذي قاد الفريق منذ ذلك الحين وحقق معه في 2010-2011 المركز الثالث والمؤهل إلى دوري أبطال أوروبا. حضر ماتزاري، الذي سبق له العمل مساعدا في جهاز نابولي قبل 13 عاما، بعدما تولى تدريب ليفورنو لموسم، وريجينا ثلاث سنوات، ثم سامبدوريا لعامين ويتذكر المتابعون جيدا معجزة إبقائه على ريجينا في الممتاز موسم 2005-2006 رغم خصم 15 نقطة من رصيد الفريق لضلوعه في فضيحة "الكالتشيوبولي". ويُنظر إلى ماتزاري في إيطاليا على أنه مدرب ذو نزعة دفاعية واضحة بسبب عدم دخول أهداف كثيرة في شباك الفرق التي يتولى تدريبها، ولكن صحيفة "جازيتا ديللو سبورت" واسعة الانتشار نشرت تحقيقا عن ماتزاري من زاوية أخرى تماما.
صانع المعجزات: والتر ماتزاري فماتزاري كان مسؤولا مباشرا عن ارتفاع المعدلات التهديفية لأكثر من لاعب في جميع الفرق التي دربها. ويدين كاسانو لماتزاري كثيرا في استعادة مستواه بعد قذفت به المشاكل والأزمات مع ريال مدريد إلى فيورنتينا، حيث منحه المدرب حرية الحركة في الخط الأمامي بلا مهام دفاعية، فنتج عنها تسجيل 10 أهداف في الموسم الأول و12 في الموسم التالي، وهو الرقم الأفضل لكاسانوا في مشواره مع الكرة. باتزيني أيضا كان من منتجات ماتزاري في فيورنتينا، حيث اعتمد عليه وطور من طريقة أدائه ليسجل 11 هدفا في أول مواسمه هناك رغم اللعنات التي كانت تلقى عليه من الجمهور في بداية مشواره مع الفريق. وتحسن أداء باتزيني في الموسم التالي ليسجل 19 هدفا في 37 مباراة، وهو ما لم يتحقق قبل ماتزاري. أما إنجازه الحقيقي في نابولي على مستوى المهاجمين فكان التطور المذهل الذي طرأ على أداء إديسون كافاني لاعب أوروجواي، الذي كان يعتبره الجمهور صاحب مهارات عالية ولكنه لا يستطيع ربح مباراة للفريق بسبب تذبذب مستواه. غير ماتزاري كثيرا من أسلوب لعب كافاني كما ألهمه تبني عقلية احترافية عدلت من سلوكياته وتركيزه أيضا، فبات مصدر الأهداف الأساسي لنابولي، وساعدت أهدافه ال26 الفريق على تحقيق إنجازه الكبير هذا الموسم. ماريك هامسيك أيضا وجد في نفسه موهبة الهداف رغم أنه ليس مهاجما صريحا بأي من الأحوال، إذ سجل في الموسمين الجاري والماضي أكثر من عشرة أهداف كانت بسبب توظيف وتوجيهات ماتزاري. أهداف كافاني مهارات وأهداف هامسيك