يحصل نجوم كرة القدم على الكثير من شهرة ونفوذ وبالطبع أموال بسبب شعبية اللعبة لدى المصريين .. ألا يتوجب على هؤلاء إذن أن يردوا جزءا مما حصلوا عليه في ظرف صعب كالذي نعيشه بعد تفجير الإسكندرية؟ نعلم أن الكرة تجارة غير رابحة في مصر: قيمة اللاعبين في ارتفاع جنوني، والأندية التي تنافس على بطولات تتكبد أموالا إضافية للمكافآت، والذين ينافسون خارجيا يتكلفون سفر ومعسكرات ومزيدا من المكافآت من دون أن يكون لكل ذلك عائد، إذن فلنتفق أن المكاسب المالية من الكرة ولاعبيها هي صفر كبير. ولكن تتعاظم يوميا قيمتهم المعنوية لدى شعب يعاني في كل جوانب حياته ولا يجد متنفسا أو طريقا للفرح والتضامن سوى عبر كرة القدم، التي يحرص الساسة في مصر على الالتصاق بها دوما لاكتساب شعبية مفتقدة وتدعيمها تغطية على فقر ومرض وجهل واحتقانات طائفية. وأه من الاحتقانات الطائفية تلك! أرغب في الكتابة منذ الانفجار التعيس بالإسكندرية ولكنني أولا اصطدمت باستغلال الإعلام الرياضي للحدث بأسلوب فج مثير للغثيان، وثانيا لأنني أكره الكتابة لملأ فراغ وأفضل عليه طرح فكرة، أو إيضاح غموض، أو ضرب مثل. حتى تذكرت ديدييه دروجبا! الغالبية العظمى من المتابعين يعرفون دروجبا المهاجم القناص، قائد الأفيال، ونجم تشيلسي اللندني الأنيق، ولكن نادرين هم من يعرفون دروجبا الزعيم الجماهيري والمفاوض السياسي الإيفواري. دروجبا الذي لا تدرون عنه شيئا ركع على ركبتيه في غرف تبديل الملابس أمام كاميرات التليفزيون وأمسك المايكروفون ووجه نداء من قلبه للفصائل المتناحرة في كوت ديفوار لوقف إطلاق النار ووضع حد للحرب الأهلية التي قضت على الأخضر واليابس في بلده رائعة الجمال. محاولاته واتصالاته الشخصية بالقادة السياسيين في الجانبين المقتتلين أدت إلى وقف إطلاق النار بعد أسبوع واحد من النداء الذي هز مشاعر إفريقيا والعالم كله، والذي وجهه في 2005 عقب أخر مباراة لكوت ديفوار في تصفيات كأس العالم.
هل تدركون أن منهم من يعتبر انتمائه إلى "ألتراس أهلاوي" أو "وايت نايتس" أمرا مقدسا حتى أن منهم – مسلمين ومسيحيين – لم يتورع عن إيذاء أخرين بينهم أبناء دينه ظنا منه أنه يعلي شأن ناديه ويحفظ له كرامته؟ واصل دروجبا مساعيه السياسية لتقريب وجهات النظر حتى وصل الجانبان لمعاهدة سلام، ثم قاد فريقه بلاده بعدها في لقاء بمدينة بواكي – معقل وقلعة المتمردين – أمام القادة من الجانبين في المقصورة الرئيسية ثم تجمع آلاف الإيفواريين تحت منزل أسرته في أبيدجان يهتفون بحياته ويطلقون عليه "ملك إفريقيا" في لحظة كالحلم. نعم نحن بعيدون عن كارثة الحرب الأهلية، ولكن إما غافل أو ساذج من يستهين بالغليان الذي يسبح فيه الشارع المصري، ومن لا يعرف "يخطف رجله" حتى شبرا ليرى العسكر والمتاريس وآلاف المتظاهرين في مشهد لم يره البعض سوى على الجزيرة أو CNN. ألا يوجد لدينا ممن نرفعهم إلى السماء كالنجوم، ويقدسهم البعض كالأولياء، ويدللهم الإعلام كالأطفال دروجبا واحد يقوم بواجبه في هذه اللحظة، ويعطي لملايين المصريين النذر اليسير مما أخذ منهم؟ ألا يعلم نجوم الكرة أصحاب ملايين المعجبين وملايين الجنيهات أن كثيرا من شباب الأقباط المتظاهرين يتضمانون مع أصدقائهم المسلمين تحت راية واحدة تشجيعا لكم في الأهلي أو الزمالك أو المنتخب؟ هل تدركون أن منهم من يعتبر انتمائه إلى "ألتراس أهلاوي" أو "وايت نايتس" أمرا مقدسا حتى أن منهم – مسلمين ومسيحيين – لم يتورع عن إيذاء أخرين بينهم أبناء دينه ظنا منه أنه يعلي شأن ناديه ويحفظ له كرامته؟ لماذا تتركون بعض المهرجين الذين يتوهمون في أنفسهم الشعبية لترديد شعارات مكررة ومملة وغير مقنعة عن "الوحدة الوطنية" و"النسيج الواحد" على الرغم من أن بإمكانكم التحدث إلى الناس الذين تؤكدون مرارا وتكرارا أنهم كل شئ في حياتكم وأن فرحتهم عندكم تساوي الدنيا وما فيها؟ تحملوا مسؤولياتكم تجاه هؤلاء الناس مثلما فعل دروجبا، اظهروا على الشاشات للأسباب الصحيحة ولو مرة واحدة، وخاطبوا جمهوركم .. قدموا واجب العزاء في الضحايا، زوروا ذويهم لتستمعوا إليهم وتمسحوا دموعهم. لا تخشوا على أنفسكم من الزحام والتدافع، ومظاهرات الحب أو الحرب تجاهكم، لأن بعض ممن تبادلوا السباب والإهانات والتجريح بسبب كرة القدم الخميس الماضي، يشارفون على ذبح بعضهم البعض الآن فيما تتباحثون في الإيقافات والغرامات والليزر. هل من دروجبا؟