"من الممكن أن يغير الرجل شكله و عمله ومنزله وملابسه وسيارته وأصدقاءه وحتى زوجته، لكنه لا يغير أبدا الفريق الذي يشجعه" جمله شهيرة للكاتب الكبير حسن المستكاوي في أحد مقالاته اليومية تعبر بشدة عن جدل غريب قائم بين جماهير قطبي الكرة المصرية. دائما يتهافت جماهير الأهلي والزمالك على الالتقاء قبل أو بعد لقاء القمة المصري من أجل المزيد من الدعابة والسخرية التي تطغى على شخصية المواطن المصري المكبوت. ودائما ما تأتي التعليقات فورية من أنصار الفريق الفائز الذين يقومون بحملة شرسة على جميع أصدقائهم من أنصار المنافس وبكل الطرق إما من أجل إظهار مدى قوة فريقهم وضعف نظر الآخرين أو من أجل حثهم على ترك الفريق الذي يشجعونه والإنضمام إلى مواكب المنتصر. وتتردد كثيرا بعد مباريات القمة عبارات مثل "أنت لسه بتشجع الزمالك؟؟" أو "الزمالك هو الكرة الحقيقية" أو "الأهلي فوق الجميع واللي خايف يروح" وفي النهاية تجد رد زملكاوي دائم "لولا الظلم والمجاملة مكان ليكوا تاريخ أصلا". ويعد هذا الجدل الطريف شيئا طبيعيا في عالم كرة القدم العالمية خاصة في مباريات الدربي في كل أنحاء العالم لأنها تجمع جماهير فريقين من مدينة واحدة قد يكون بينهم أشقاء أو أصدقاء أو حتى آباء وأبناء مختلفين في الميول. ولكن دربي القاهرة يحظى بعدة ظواهر مختلفة، فأن كان تقسيم جماهير الدربي في معظم بلدان أوروبا يخضع لتقسيمات جغرافية في أحياء محددة للجانبان أو سياسية من حيث الولاء لليمين أو لليسار. فالاختلاف الحقيقي بين جماهير الأهلي والزمالك هو اختلاف في أفكار كرة القدم وبصورة شديدة، وهذا ما يؤدي إلى عدم اقتناع أي منهما برأي الآخر مهما بلغت الأدلة والبراهين التي يتحدث بها. فالأهلاوي يحب ناديه وبشدة ويناصره في كل الأوقات ظالما أو مظلوما، ولا يهتم بأي شئ سوى تحقيق الفوز والانتصارات المتتالية والتتويج بكل البطولات المتاحة مهما كان المنافس وبأي طريقة ممكنة ويخلص للكيان ككل دون الأفراد. أما الزملكاوي فهو أيضا يحب ناديه وبشدة وبعاطفة تأثر عليه كثيرا، فيتعلق بأفراد وأشخاص ويبني عليهم آمالا ضخمة للأسف تتحطم نتيجة لظروف النادي المعاكسة أو ظهور هؤلاء على حقيقتهم وهناك العديد من الأمثلة على رأسها مرتضى منصور. يستمتع الزملكاوي بكرة جميلة وكعب وتسديدة في القائم أكثر من سعادته بهدف دون معنى "استروبيا" يصطدم بأقدام المهاجمين والمدافعين. يأمل الأهلاوي في الفوز دون غيره ولو بنصف هدف ولا يكترث كثيرا لأداء الفريق طالما يحصد الثلاث نقاط وطالما مستمر في حصد البطولة تلو الأخرى. تشجع جماهير الزمالك فريقها بحرارة ودائما ما تقف خلفه وقد ترتدي الأسود حزنا وحدادا على أداء فريقها أوقات الضعف، ولكنهم يرتكبون خطئا بتمجيد أنصاف لاعبين والهتاف لهم بشكل جماعي أكثر من الهتاف للفريق ككل. بينما تقف جماهير الأهلي وحدة واحدة تشجع فريقها ككل، وعند الهتاف للاعبين يهتفون للجميع، ومن يخرج من المنظومة ينصب عليه الغضب الموحد في نفس الوقت ولنا في الحضري مثال. فالأهلاوي في كل الحالات فخور بناديه وبإنجازاته وبطولاته وانتصاراته بشكل يصل في بعض الأحيان إلى "جنون العظمة"، والزملكاوي في كل الحالات ناقم على مايحدث حوله لفريقه ويرى أن كل الأطراف تتحد ضده وتتعمد ظلمه مما يشكل عقدة"اضطهاد" وهمية. ملحوظة أخيرة: اختلاف الأفكار أمرا إيجابيا في عصر قلت فيه الأفكار من الأساس ولو فكر شخصا ما بصورة محايدة في النظر للأمر لوجد الجانبان بهما العديد من الإيجابيات والسلبيات، فلا الأهلي أعظم أندية العالم ولا الحكم النمساوي كان أهلاوي.