لن تسافر لاحتراف كرة القدم خارج البلاد لو كان عمرك أقل من 32 عاما" هكذا كان نص القانون في تشيكوسلوفاكيا في نهاية الثمانينيات حتى قامت الثورة وغيرت كل شئ، وكأنها اندلعت من أجل شخص واحد.. مراهق لم يتم عامه ال17 اسمه بافيل نيدفيد لم يعد هناك ألمانيا شرقية وأخرى غربية، أخيرا توحدت البلاد بعد هدم جدار برلين، وتسبب ذلك في الكثير من التغيرات السياسية في أوروبا كلها، وساهم ذلك في اندلاع الثورة في تشيكوسلوفاكيا ضد الحكم الديكتاتوري. خرج الشعب في ثورة سلمية وطالب برحيل الحكومة يمكنك بعد سنوات ستشعر أن 20 مليون شخص خرجوا في شوارع مدينة براج وكأنهم يهتفون "فليخرج بافيل، دعوا السهم الأشقر ينطلق" حكاية اللاعب التشيكي ربما تكون مصدر إلهام للكثير ممن يشعرون بأن الوقت قد فات لتحقيق الأحلام بعد التقدم في العمر. FilGoal.com يستعرض قصة صعود بافيل نيدفيد إلى القمة في عيد ميلاده ال46 واتي جعل فيها مقولة "العمر مجرد رقم" ليست مجرد كلمات. العمر تقدم.. والحلم لم يمت كل أبناء جيله كانوا قد بدأوا مسيرتهم بالفعل في أكاديميات الشباب، أليساندرو ديل بييرو يعيش عامه الأول في أكاديمية بادوفا الإيطالية للشباب وبدأ الكشافين في متابعته، أما الطفل الويلزي ريان جيجز فاتخذ خطوة ستغير حياته للأبد بالانتقال إلى أكاديمية مانشستر يونايتد وهو لم يتم عامه ال15 وفي شوارع مدينة براج.. بافيل ابن ال17 عاما يهتف من أجل الحرية. يقول نيدفيد: "بدأ عمري في التقدم وكنت فقدت الأمل في احترافي خارج التشيك، كنت ألعب في أكاديمية فيكتوريا بيلزن على الرغم أن من أبناء جيلي بدأوا بالفعل مسيرتهم الاحترافية". "قامت الثورة في الوقت المناسب بالنسبة لي". نيدفيد يحكي عن مسيراته في شوارع مدينة براج في ثورة لم تترك خلفها أي عنف قائلا: "نعم كان لدي حلم ولكن كان يشغل بالي وقتها الحصول على الحرية التي ستساعدنا جميعا لتحقيق أحلامنا". تفككت تشيكوسلوفاكيا لاحقا وانتقل نيدفيد إلى فريق شباب دوكلا براج، وأخيرا صعد منه إلى الفريق الأول عام 1992 بعدما بلغ عامه ال20 ثم التحق بعد ذلك بصفوف سبارتا براج. ظل نيدفيد في ظلام الدوري التشيكي، وظن أن الحلم قد فاته بالخروج من ظلام الدوري التشيكي والذي لا يتناسب مع طموح أي لاعب يأمل في اللعب بأعلى المستويات في أوروبا. حتى أتى عرض من لاتسيو الإيطالي.. قبل ذلك كان القانون يمنع أي لاعب من السفر لم يتم عامه ال32، بالإضافه إلى وجوب مشاركته في عدد محدد من المباريات الدولية. ولكن في عام 1994 كانت الثورة قد غيرت كل شئ.. أخيرا.. الحلم يقترب، نيدفيد لم يتردد في قبول عرض النادي الإيطالي. يقول نيدفيد: "بلغت 24 ولم أسافر خارج التشيك طوال حياتي.. لا يعرفني أحد خارج حدود التشيك إلا المدرب التشيكي زينديك زيمان والذي كان يدرب لاتسيو حينها، وهو من أرسل العرض لي" "أمر آخر يشغلني، الدوري الإيطالي صعب للغاية خاصة على من يلعب في الخطوط الأمامية.. ولكنها فرصة لن تككر" يتذكر نيدفيد جيدا خوفه من الظروف الصعبة التي يعيشها المواطنون الذين لا ينتمون للاتحاد الأوروبي وقتها، بالإضافة إلى حاجز اللغة.. ولكنه وجد مساعدة من الشعب الإيطالي دائما. ولكن كيف وصل العرض لنيدفيد؟ التعرف على رايولا صداقة قوية جمعت مينو رايولا وكيل اللاعبين بالمدرب التشيكي للاتسيو زيمان زيمان: صباح الخير رايولا.. هل من جديد لديك؟ رايولا: لقد منحتك براين روي في فوجيا.. ألم يعجبك؟ زيمان: أنت تفهم ما أقصده، توقف عن المراوغة في الحديث.. أثق بك دائما رايولا: يوم ما سأمنحك لاعبا لا يتوقف عن الركض أبداً، وحريص دائما على التعلم.. أستطيع أن أؤكد لك أنك لن تجرؤ على وضعه على مقاعد البدلاء. قبل أن يدور هذا الحوار كان رايولا قد رأى نيدفيد مرة واحد فقط مع منتخب التشيك، وبمجرد أن رأى بافيد يركض وراء لكرة قال لنفسه: "يا رباه.. هذا ما أريده بالفعل.. إنه تشيكي مثل الذي يدرب لاتسيو...!". يقول رايولا: "عندما قابلته وجدتخ خجول جدا.. لم يتحدث معي كثيرا عن المال، كان واضحا معي من البداية "أهم شئ هو كرة القدم بالنسبة لي.. المال لا يشغلني تماما". لاتسيو خسر 7 مباريات من أصل 17 في الدوري الإيطالي في أول مواسم نيدفيد معه، ولكن إدارة النادي لم تطق خسارتين متتاليتين أمام يوفنتوس بولونيا، لتتم إيقالته وتعيين الإيطالي دينو زوف مديرا فنيا للفريق. يحكي رايولا: "قابلت زوف بعد مرور شهر من توليه مهمة تدريب لاتسيو.. ولكني فوجئت بصراخه في وجهي.... "من أين أتيت بهذا الولد الذي يدعى نيدفيد؟؟ إنه غير طبيعي.. ليس من هذا العالم.. إنه يفعل أشياء لم أتوقع أن يفعلها .. أعتقد أنه سيتخذني عدوا له لأني جئت بدلا من زيمان الذي جلبه إلى هنا. ولكن المجهود الذي يقدمه مضاعف.. إنه غير طبيعي!!!". هاني سعيد نجم فريق المقاصة الحالي كان يلعب في صفوف باري في نهاية التسعينيات، وقتها لم يكن انجم التشيكي قد وصل إلى شهرة عالمية واسعة، وقد واجه فريق سعيد أكثر من مرة. يقول هاني سعيد فيلجووووووول: "الدفاع أمامه أرهقني كثيرا، ولكني أفتخر بمواجهه كثيرا". ويضيف ضاحكا: "سرعته؟ .. دة كان بيجري وهو واقف". أحب لاتسيو.. ولكن منذ 1996 وحتى 2001 شارك نيدفيد في 208 مباراة الدوري الإيطالي وسجل 51 هدفا، حقق نجاحا رائعا جعل العديد من الأندية داخل وخارج إيطاليا تضعه في حساباتها. يقول مينو رايولا: "كيف انتقل نيدفيد إلى يوفنتوس؟ يمكنك أن تكتب مجلدات عن هذه القصة". "كنت دائما ضد سياسة مودجي المدير الرياضي السابق ليوفنوس، ولكني قلت لنفسي يوما ما سيحتاجني لضم احد اللاعبين". رايولا: بافيل، لقد وصلت لمرحلة عالية جدا، الأمر انتهى بالنسبة للاتسيو ويجب أن ترحل.. هل تفهم ما أقوله؟ نيدفيد: أريد البقاء في لاتسيو ليس لأني أحب مدينة روما فقط، ولكن من أجل عائلتي، زوجتي وابنتي لم يطيقا تغيير الأجواء.. تعلم أن كرة القدم أهم شئ بالنسبة لي، ولكن دون أن تمس عائلتي. رايولا: حسنا، فلنذهب إلى سيرجيو كرانيوتي ونتحدث معه بشأن زيادة راتبك. كرانيوتي كان رئيس لاتسيو الذي ذاب في عشق نيدفيد، ولكن الظروف المادية للنادي كانت لا تساعده في تلبية رغبة بافيل ووكيله، وقد أظهر ذلك في جلسته مع اللاعب ورايولا. كرانيوتي: تعلم أني أحبك بافيل، ولكني لن أتمكن من زيادة راتبك نيدفيد: وماذا سيحدث؟ كرانيوتي: سأمنحك أقل مما تستحق، واعدك أني سأزيد راتبك عندما يتحسن الوضع. نيدفيد: حسنا لا مشكلة.. موافق سيدي الرئيس. هنا استشاط رايولا غضبا ورأى أن نيدفيد قد اتخذ القرار الخاطئ. نيدفيد يتراجع بعد أيام جلس نيدفيد ورايولا وكرانيوتي من أجل التوقيع على عقد جديد، وكان يجلس معهم أبن رئيس النادي.. والذي تسبب في أن يقرر اللاعب التشيكي الرحيل!! يقول نيدفيد: "كان الجميع يبتسم خلال الاستعداد للتوقيع، ولكن نجل رئيس النادي لم يفعل ذلك، كان ذو وجه غاضب ويظهر عليه كراهيتي لي". نجل كرانيوتي ألقى بالقلم أمام نيدفيد وقال منفعلا: "هيا .. وقع سريعا". ليوقع بافيل على العقد. بعدها بثوان، يهمس بافيل في أذن رايولا: "يا له من وقح.." بعد الخروج من النادي قال نيدفيد لرايولا: "أرجوك. أخرجني من لاتسيو بأي طريقة، وبأي ثمن". يوفنتوس.. بديل زيدان انتشرت الأنباء حول رغبة عدد من الأندية الأوروبية في التعاقد مع نيدفيد، حتى جائت مكالمة هاتفية من زوجته إيفانا والتي قالت له أن شخص ما ينتظره في المنزل، شعره أبيض ويبدو عليه الوقار.. بافيل طلب منها أن تحسن ضيافته حتى يصل ويجلس معه. هذا الرجل كان أومبيرتو أنييلي الرئيس التنفيذي السابق لشركة فيات ورئيس نادي يوفنتوس، والذي أصبح نجله صديقا لنيدفيد لاحقا ونائبه في رئاسة النادي يقول نيدفيد: "لقد ساعدني هذا الرجل كثيرا واعتبرني جزء من عائلته، شعرت بذلك من اللحظة الأولى التي قابلته فيها.. بصراحة لم أتوقع أبدا أن يقول لي هذا: "ستكون بديل لزيدان الذي رحل إلى ريال مدريد". "اللعنة.. يتبقى بضعة أشهر وأتم عامي ال30، كيف يفكرون في هذا الأمر". قصة جديدة بعد انتقال نيدفيد إلى يوفنتوس مع جيانلويجي بوفون من بارما الذي أصبح هو أيضا أغلى حارس في التاريخ ولم يتم تحطيم رقمه إلا في عام 2018، وضعت الصحافة الإيطالية ضغطا كبيرا على اللاعب التشيكي.. فلنرى بديل زيدان. لم يسجل نيدفيد إلا بعد مرور 13 جولة من الدوري الإيطالي بقميص يوفنتوس في مرمى بيروجيا. انتهى الموسم وسجل نيدفيد 4 أهدافا فقط وصنع 7، كسر حاجز ال عاما وبدأ الكثيرون يشككون في أحقية ارتداءه لقميص الروسونيري. يتحدث نيدفيد عن فترته في يوفنتوس قائلا: "تعلمت الكثير في يوفنتوس خلال لحظات الإنكاسار والانتصار، عشت الأيام الأفضل في مسيرتي وتلعمت كيف أصبح رجلا كيف قبل أن أكون لاعبا". في عام 2003 ساعد نيدفيد فريقه للوصول إلى نهائي دوري أبطال أوروبا، ولكنه لم يخض المباراة أمام إيه سي ميلان في أولد ترافورد بسبب تعرضه للإيقاف بعد خصوله على الإنذار الثاني، وتسبب ذلك في بكاءه الشديد خلال المباراة. "شعرت أن الفريق يحتاجني بشدة، كنت أبكي لأن يوفنتوس كان يحتاج لكل لاعب في النهائي، كدت أموت من الحزن عندما خسرنا النهائي أمام ميلان". في ديسمبر من العام نفسه، حصل نيدفيد على جائزة لاعب العام، بالإضافة إلى الفوز بجائزة الكرة الذهبية كأفضل لاعب في أوروبا. نيدفيد لعب مع يوفنتوس 327 مباراة في الدوري الإيطالي وسجل 65 هدفا وصنع 34، بالإضافة إلى 53 مباراة في دوري أبطال أوروبا. هناك إحصائية لم يخجل منها كل من شارك فيها، 33 مباراة في دوري الدرجة الثانية و11 هدفا ظلوا عالقين في ذهنه ويفتخر بهم كثيرا. لم ينس نيدفيد هذه الفترة مع يوفنتوس، وقراره بالبقاء وعدم الالتفات لعروض مانشستر يونايتد وريال مدريد وتشيلسي وإنتر ميلان. نيدفيد أعطى مثالا في الوفاء حتى اللحظات الأخيرة مرة أخرى ويقول: "أشعر بالفخر لأني لعبت يوما ما في الدرجة الثانية" "البعض يتعجب كيف أن نتقبل الركض على هذه الملاعب المتواضعة طيلة عام كامل، وأقول لهم أنك حينما ترتدي قميص يوفنتوس تنسى كل هذه الأمور.. تنزل الملعب كي تقاتل ولا تنظر لأي شئ آخر". مصادر تم الاستعانة بها: * حوار نيدفيد مع صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية * حوار مينو رايولا مع الموقع الرسمي ليوفنتوس * تصريحات نيدفيد لصحيفة لا جازيتا ديللو سبورت