الشخص الجائع يفرح جداً عندما يجد أمامه صنوف الطعام والشراب، فيعب منها كيف يشاء، ويزداد «العب» كلما وجد حوله من يشجعه، حين يصف له حلاوة هذا الطبق و«طعامة» تلك «الطبخة» ولذة ذلك «المشروب»، فيظل مغلوباً بنشوة الالتهام حتى يصاب ب«التخمة»، ل«يطفح» من كل جانب، وتكون تلك هى «أكلته» الأخيرة! والطفل النشوان ب«بالونة» زاهية اللون يشعر بالفرحة كلما انتفخت أكثر وأكثر ليباهى بها أمام غيره، فيظل ينفخ وينفخ حتى تصبح «البالونة» عرضة للانفثاء لحظة أن يمسها «دبوس» مدسوس، أو شوكة شاردة. كذلك تفعل جماعة الإخوان، ويمكن أيضاً أن تقول كذلك «يُفعَل» بها؛ فالجماعة -للإنصاف- تقع فى موقعى الفاعل والمفعول معا، إذا تنازلت قواعد اللغة ورضيت بذلك! فقد استقبلت الجماعة السلطة بعد ثورة 25 يناير وهى جائعة لها، فأخذت تعب وتلتهم كل ما يقابلها من مقاعد مجلسى شعب وشورى، ثم امتد بصرها إلى الرئاسة وفازت بها، ثم إلى الوزارة فحصدتها، ثم إلى المحافظات فسيطرت على العديد منها، ثم إلى باقى مناصب الدولة الأخرى، وما زالت تعب من كأس السلطة حتى الآن دون اكتفاء، لتثبت أن النهم لا يكون فى العلم والمال فقط، كما قال على بن أبى طالب، رضى الله عنه: «منهومان لا يشبعان: طالب علم وطالب مال»، بل يكون أيضاً فى السلطة. ويلتقى هذا النهم مع طرف خفى لا يتوقف عن «النفخ» فى «بالونة» الإخوان، فيغريها دائما بالمزيد، ويردد لها أنها القوة السياسية الأكبر والأكثر تنظيماً، والأقدر على القيام باستحقاق الحكم، والأمهر فى حل مشكلات الواقع، والأكثر إخلاصاً لله، والأكثر وعياً بما يفيد وما لا يفيد شعب مصر. ولعل هذا الطرف الخفى ينتظر لحظة تصل فيها «بالونة الجماعة» إلى حمل ما لا تطيق من الهواء، فتنفجر من تلقاء نفسها، أو بفعل «شكَّة» تأتيها من أى «سكَّة»! والمشكلة أن الجماعة تنساق وراء تحقيق أحلامها، دون وعى بأن فى ذلك هلاكها. وما أكثر ما يتردد على ألسنة رموزها من حديث عن السجون التى دخلوها فى العهد البائد، والمحن التى مروا بها عبر تاريخهم، فى معرض تبريرهم لحقهم فى الاستمتاع والاستراحة على كراسى السلطة، بعد أن أهلك الله عدوهم بيد شباب الثورة. ويبدو أنهم نسوا موقف نبى الله موسى عندما حذر بنى إسرائيل فى الآية القرآنية الكريمة: «قَالَ عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ». فعندما يسبق الطمع حسابات العقل يسقط الإنسان فى شرك التهلكة، وحينما يفتقد العقل الحكمة فإنه يقود صاحبه إلى الضياع. والمشكلة أن السكرة والنشوة بالانتفاخ تصرفان المرء عن تقدير الموقف والحذر ممن «ينفخ» فيه.. فتكون النهاية: الموت نفخاً!