الحكومة الحالية التى تستعد لعرض برنامجها على مجلس النواب خلال أيام، هى أول حكومة مصرية منذ بداية النظام الجمهورى تمر باختبار تقديم برنامج عملها على المجلس التشريعى بأمل الحصول على موافقته ومن ثم الفوز بالثقة التى تضفى عليها شرعية دستورية تمكنها من ممارسة مهامها باطمئنان وجدارة، ويعود الفضل فى هذا إلى دستور 2014 الذى قرر هذا الإجراء فى مادته رقم 146 خلافاً لكل الدساتير السابقة، ما عدا الدستور الذى صدر فى 2012 فترة حكم الجماعة الإرهابية وقرر ذات المبدأ فى المادة 139 منه، التى لم يتم تفعليها لكون مجلس الشعب كان غير قائم إلى أن عُزل محمد مرسى بقيام ثورة 30 يونيو. ويثير عرض حكومة شريف إسماعيل برنامجها على مجلس النواب قضية دستورية مهمة، هى مدى اعتباره مكلفاً من رئيس الجمهورية بتشكيل حكومة تتقدم لمجلس النواب ببرنامجها، وهذا يعنى أن رئيس مجلس الوزراء المكلف يعرض تشكيل الحكومة وبرنامجها على مجلس النواب، أى أن يكون للمجلس إبداء الرأى فى تشكيل هيئة الوزارة وأشخاص أعضائها ومدى كفاءتهم أو نصاعة سيرهم الذاتية وتاريخ كل منهم، وأن يبدى المجلس أيضاً الرأى فى برنامج الحكومة. وهذا هو التفسير الذى يتمشى مع منطق سلطة المجلس فى منح رئيس مجلس الوزراء وحكومته الثقة أو حجبها. ولكن المعلومات المتداولة فى وسائل الإعلام وتصريحات م. شريف إسماعيل فى الأساس تتغاضى عن قضية عرض تشكيل الحكومة على مجلس النواب، وتكتفى بالحديث عن أنه سيقوم بعرض برنامج حكومته على المجلس دون عرض أسماء وخبرات ومعايير اختيار هيئة الحكومة ذاتها! وهذا ما فهم من تصريح الرئيس السيسى فى الاحتفال بذكرى 6 أكتوبر 2015، حين قال «إنه لا يتعين على الحكومة الحالية أن تقدم استقالتها مباشرة فور انتخاب البرلمان، حيث يتعين أن تقدم الحكومة برنامجها إلى البرلمان لإبداء الرأى حياله، وسوف تستمر فى حالة إقراره»، وفى ذات الوقت يصرح م. إسماعيل أن عرض برنامج الحكومة سوف يستغرق جلسة واحدة فهل هذا كاف لتوضيح البرنامج لأعضاء البرلمان فضلاً عن كل المصريين؟! ومن الضرورى حسم تلك الممارسات التى تشكل سوابق برلمانية تتنافى مع مقاصد الدستور الذى يريد الشعب حمايته من أى تحريف سواء كان مقصوداً أو غير متعمد، إن عدم عرض تشكيلة الحكومة على مجلس النواب والاكتفاء بتقديم برنامجها يحرم المجلس من فرصة الحكم بموضوعية على ذلك البرنامج، حيث لا ينفصل عن التشكيل الوزارى، لأن قبول أو رفض البرنامج يرتبط عضوياً مع قبول أو عدم قبول المجلس لأشخاص أعضاء الحكومة أو بعضهم ومدى اطمئنانه إلى كفاءتهم وقدرتهم على تحقيقه، ومن ثم قد يحجب المجلس ثقته عن الحكومة وحينئذ يكلف رئيس الجمهورية رئيساً لمجلس الوزراء بترشيح من التشاور مع الحزب أو الائتلاف الحائز على أكثرية مقاعد مجلس النواب! وهنا نود الإشارة إلى مسألة يتداولها بعض رموز ائتلاف دعم مصر، بأن لديهم فرصة مع حزب المصريين الأحرار لترشيح رئيس لمجلس الوزراء يكلفه رئيس الجمهورية بتشكيل الحكومة حال فشل حكومة شريف إسماعيل فى الفوز بثقة المجلس، وذلك اعتماداً على تفسيرهم لكلمة «ائتلاف» الواردة فى المادة 146 المشار إليها، ولكن وجه الخطأ والخطورة فى هذا التفسير أن الائتلاف المقصود فى الدستور يعنى ائتلافاً بين أحزاب أو مستقلين تم ترشح أعضائه لمجلس النواب قبل إجراء الانتخابات وأُعلن فوزهم بصفتهم المثبتة فى أوراق الترشح، الأمر الذى لا ينطبق على أعضاء ائتلاف دعم مصر، حيث فازوا بعضوية المجلس بصفات أخرى سواء بصفة بعضهم مستقلين أو أعضاء فى أحزاب أخرى، وطبقاً لنص المادة 110 من الدستور يجوز إسقاط عضوية أحد أعضاء المجلس إذا فقد أحد شروط العضوية التى انتخب على أساسها، الأمر الذى يمتنع معه استفادة ائتلاف دعم مصر من كلمة ائتلاف التى وردت بالمادة 146، حيث إن أعضاءه لم ينتخبوا على أساس كونهم أعضاء فى ذلك الائتلاف الذى لم يكن موجوداً أصلاً حين تمت عمليات الترشيح والانتخاب! والآن نعود إلى عنوان مقال اليوم، ماذا ينتظر المصريون من البرنامج الحكومى؟ إن المصريين لا يريدون مزيداً من الشعارات الرنانة، مثل سنقضى على الفساد أو سنحقق طفرة فى الناتج القومى الإجمالى لا تقل عن 7%! ولا يريد المصريون الاستماع إلى عبارات إنشائية عن نوايا الحكومة وعن تقديرها للشعب العظيم وعن انشغالها أساساً بمحدودى الدخل! إن المصريين يتطلعون إلى برنامج حكومى لا يكرر المقولات التى ملُوا الاستماع إليها، مثل أن الحكومة قد ورثت مشكلات طال عليها الزمن دون علاج، أو أن ما يعانيه الشعب هو نتيجة تراكمات تاريخية لا تسأل الحكومة الحالية عنها! الشعب يريد أن تصارحه الحكومة بالموقف الحالى فى مصر بعد أكثر من عام ونصف على انتخاب الرئيس السيسى، وتكون المصارحة بعرض الحقائق والأرقام التى توضح الأزمة الحالية فى مصر، بغية تأكيد أسلوب الحكومة فى علاج المشكلات التى يعانى منها المواطنون وحفزهم لتفهم مدى التحديات التى تواجه الوطن وللمشاركة بأفكارهم وجهودهم فى التعامل الإيجابى مع الموقف حتى يتحقق الخروج من الأزمة بسلام. الشعب يريد أن تصارحه الحكومة بالموقف الأمنى فى ضوء ما يجرى فى سيناء من ناحية، وتردى الأمن وتجاوزات أعضاء من هيئة الشرطة ضد المواطنين من ناحية أخرى، ومع تزايد حالات الاعتداء على كمائن الشرطة واستشهاد أعداد متزايدة من أبنائها، كما يريد المصريون التعرف بوضوح على التهديدات لأمن مصر من الفصائل الإرهابية والدول المساندة للإرهاب من حولنا. ولا تقل المصارحة بالموقف السياسى الداخلى والخارجى فى الأهمية عن مصارحة الحكومة للشعب بالموقف الاقتصادى، خاصة مع تكرار تصريحات صدرت من رئيس مجلس الوزراء وبعض وزرائه بأن «الوقت قد حان لاتخاذ قرارات مؤلمة»، وبالنظر للارتفاع المتواصل فى سعر الدولار الأمريكى وانخفاض قيمة الجنيه المصرى بالتبعية! ولست أريد أن أستطرد فى تعداد مصادر القلق للمصريين وأهمية المصارحة وإن كانت مؤلمة حتى يتبين المصريون الحقيقة. والحكومة مطالبة قبل أن تعرض برنامجها للفترة المقبلة والسائد أنها تصل للعام 2018، أن تتقدم بكشف حساب عما فعلته وأنجزته خلال ستة أشهر أمضتها فى الحكم بعد تشكيلها فى الثانى عشر من سبتمبر 2105! واجب على الحكومة توضيح ما تحقق فى التعليم والصحة وتشغيل الطاقات العاطلة فى الصناعة المصرية، وتردى أحوال الزراعة والمزارعين، وماذا فعلت للتعامل مع مشكلات تردى خدمات مياه الشرب والصوف الصحى، ناهيك عن مشكلات الفساد وتفكك الجهاز الإدارى للدولة. والحكومة الحصيفة الذكية هى التى تفهم بالإشارة الواقع المر الذى يعيشه المصريون، ولا بد من أن يأتى برنامجها ليرتفع إلى مستوى تطلعات الناس فى مصر إلى حكومة تعادل حكومات العالم المبتكرة، فى كفاءتها وابتكاراتها وحلولها غير التقليدية للمشكلات، كالحكومات التى شاهد رئيس مجلس الوزراء إنجازاتها لشعوبها فى مؤتمر «القمة الحكومية» فى دبى!