هذا هو عمنا بهاء طاهر، الذى جعل الله له من اسمه نصيبا، فهو «بهاء».. وهو «طاهر»، وهو الأديب الإنسان صاحب الموقف والشخصية العذبة الجميلة التى تقرأ لها فتشعر أنك أمام إنسان لا يكتب، وإنما يعزف الموسيقى. أهدانى عم بهاء أسعد لحظات حياتى وأنا أقرأ له كل ما يكتبه من روايات أو قصص قصيرة، وعلمنى كيف يكون للإنسان موقف بغض النظر عن سنه أو حالته الصحية، فلا عذر لهؤلاء المنسحبين والمتجاهلين لما يحدث من حولهم، والمجد كل المجد لبهاء طاهر والذين معه. شرفنى بأن تأبط ذراعى فى (الذكرى الأولى) للثورة. كنا نمشى فى التحرير فتشعر وكأنه يتنفس جيداً هناك، وقت أن كان التحرير تحريراً، وضاق صدره حين سمع الإخوان والسلفيين وهم يرفعون صوت القرآن وقت الهتاف: يسقط يسقط حكم العسكر، ثم حين حاول العودة إلى «ميريت»، وأردنا اختصار الطريق رفض أمن الجراج الموجود فى التحرير أن يسمح له بالمرور، وراحوا يسبون الثورة والثوار، واللى عندكم اعملوه. تراجع العم بهاء مصدوماً لكنه عذب حتى حين يغضب. اصطحبنا لمقهى «ريش»، ونادى على فلفل، أقدم وأشهر نادل فى المقهى العظيم الذى يكاد يقترب من أن يكون أثراً وجب احترامه وتحويله لمتحف حقيقى، وأحضر لنا الغداء وهو يتكلم عن البلد وأحوالها. كان موجوعاً، لكنه ظل على نفس درجة تفاؤله التى تنجح دائماً فى جعلك تبتسم وتعيد حساباتك، ثم تسرع لبيتك لتخرج «الحب فى المنفى» وتقرأها، وتذوب عشقاً مع «قالت ضحى» وتبحث عن «نقطة النور»، وتستمتع ب«واحة الغروب». لا هدف لكتابة هذا المقال سوى أن يكون قبلة على جبين بهاء الأدب العربى بهاء طاهر، ودعوة لإعادة قراءة أعماله الروائية والقصصية، وحتى النقدية، ومقالاته الأخيرة التى أصدرها عن دار نشر شابة بعيداً عن حيتان النشر وحباً فى تشجيع الشباب الذين يديرونها، وكان عنوان كتابه الأخير لافتاً: «أيام الألم والحيرة»، وهو أحدث إصدارات عم بهاء عن دار «دون». وكان موقع «دواير» -الذى أنصح الجميع بزيارته والاشتراك فيه- موفقا حين اختار العديد من عبارات عم بهاء التى وردت فى رواياته ليجعلها نقطة نور عند كثيرين من محبيه، وهذه بعض نقاط نوره، ما أحوجنا إليها الآن وإلى عم بهاء، حفظه الله لنا: - آلاف من الناس يصفعون كل يوم، ولكن قليلا منهم من يشعر بالإهانة أو الغضب. (قالت ضحى). - ما الذى يجعل خطانا تقود إلى عكس الطريق، ونحن نعرف أنه عكس الطريق. (نقطة النور). - الهزيمة لا تنزع البطولة عن الثوار. (واحة الغروب). - أنت لا تخون إن قلت الحقيقة.. بل تخون إن لم تقلها. (الحب فى المنفى). - لا يضيع الدنيا الذين مع أو الذين ضد.. إنما يضيعها المتفرجون. (قالت ضحى). - أنت لست جميلا ولا أنا جميلة، الحب وحده هو الجميل، والحب وحده يرينا الجمال. (نقطة النور). - لا أفهم معنى الموت.. لكن ما دام محتما فلنفعل شيئا يبرر حياتنا، فلنترك بصمة على هذه الأرض قبل أن نغادرها. (واحة الغروب)