دعم السيسي وإنشاء مصنع للتحصينات الأبرز.. رسائل رئيس أوغندا من قلب القاهرة    وزير التعليم العالي يفتتح المجمع الطبي لمؤسسة "تعليم" بمحافظة بني سويف    رئيس جامعة أسيوط يستقبل محافظ الإقليم لتهنئته باستمرار توليه مهام منصبه    بعد قليل.. مؤتمر الهيئة الوطنية لإعلان النتيجة الرسمية لانتخابات الشيوخ    رئيس الأعلى للإعلام يكرم رائد الإعلام العربي فهمي عمر    أوبك تتوقع ارتفاع الطلب العالمي على النفط العام المقبل    منسقة الأمم المتحدة: إطلاق الاستراتيجية الوطنية للشباب يعكس اهتمام مصر بالرياضة كقوة ثقافية ومحرك للتنمية    دول ومؤسسات أوروبية: المعاناة في غزة وصلت مستوى لا يمكن تصوره    محافظ الجيزة ينعي وفاة الدكتور علي المصيلحي وزير التموين والتجارة الداخلية السابق    ما نتائج تمديد ترامب الهدنة التجارية مع الصين لمدة 90 يوما أخرى؟    الأمم المتحدة تدعو إسرائيل للسماح بدخول الصحفيين الدوليين لغزة دون عوائق    فرنسا توقف تأشيرات حراس أمن شركة العال الإسرائيلية    مانشستر سيتي يطالب توتنهام بزيادة عرضه للتعاقد مع سافينيو    إقبال كبير على تذاكر مباراة ريال مدريد أمام تيرول    الحسيني وهدان يتوج بذهبية الكونغ فو في دورة الألعاب العالمية    وسام أبو علي يستعد للسفر إلى أمريكا خلال أيام.. والأهلي يترقب تحويل الدُفعة الأولى    ضبط سائق توك توك بالجيزة بعد فيديو السير عكس الاتجاه والاعتداء على مواطن    ضبط سائق لحيازته 53 ألف لتر سولار بدون مستندات تمهيدًا لبيعها بالسوق السوداء في الأقصر    غدا.. المسرح يحتفي بعيد وفاء النيل في مكتبة القاهرة الكبرى والهناجر    بعلمي تونس وفلسطين.. أسرة فيلم اغتراب تحتفل بعرضه الأول في مهرجان لوكارنو السينمائي الدولي    جنات تتحدث عن تصدرها التريند ب "ألوم على مين"    رامي صبري وروبي يجتمعان في حفل واحد بالساحل الشمالي (تفاصيل)    ما الحكمة من ابتلاء الله لعباده؟.. داعية إسلامي يُجيب    الشيخ رمضان عبدالمعز: قبل أن تطلب من الله افعل مثلما فعل إبراهيم عليه السلام    محافظ البحر الأحمر يبحث شكاوى المواطنين بالتأمين الصحي في الغردقة ويوجه بسرعة حلها    وكيل صحة الإسماعيلية تُفاجئ وحدة أبو صوير البلد لمتابعة إنتظام سير العمل وتحيل المقصرين للتحقيق    طريقة عمل البصارة على أصولها بخطوات سهلة وأرخص غداء    كريستيانو رونالدو يطلب الزواج من جورجينا رسميًا    محافظ الفيوم يُكرّم السيدة «مبروكة» لحصولها على شهادة محو الأمية    اتحاد الكرة الإسباني يرفع الضغوط عن حكام الليجا بقرار خاص    «طبيعي يزعل ولكن».. شوبير يعلق على أنباء مفاوضات بيراميدز مع الشناوي    فتوح خارج تدريبات الزمالك الجماعية حتى إشعار آخر    غدًا.. قطع المياه عن مدينة أشمون في المنوفية 8 ساعات    «مصيلحي» و«المصيلحي».. قصة وزيرين جمعهما الاسم والمنصب وعام الموت    أصحاب 5 أبراج الأفر حظًا هذا الأسبوع.. هل أنت منهم؟    الطقس غدا.. موجة شديدة الحرارة وأمطار تصل لحد السيول والعظمى 41 درجة    حجز نظر استئناف المتهم بقتل مالك قهوة أسوان على حكم إعدامه للقرار    كريستال بالاس يهاجم يويفا بعد حرمانه من الدوري الأوروبي    وزيرة التخطيط تشارك في إطلاق الاستراتيجية الوطنية للشباب والرياضة 2025-2030    وكيل وزارة الصحة بالدقهلية يحيل المدير الإداري لمستشفى الجلدية والجذام للتحقيق    كامل الوزير: عمل على مدار الساعة لتحقيق مستوى نظافة متميز بالقطارات والمحطات    «تعليم كفر الشيخ» تعلن النزول بسن القبول برياض الأطفال ل3 سنوات ونصف    الرئيس السيسي يستقبل اليوم نظيره الأوغندي لبحث تعزيز العلاقات الثنائية    الجمعة.. فرقة واما تحيي حفلا غنائيا في رأس الحكمة بالساحل الشمالي    محافظ الجيزة يترأس اجتماع اللجنة التيسيرية لمشروع تطوير منطقة الكيت كات    الدقهلية تبدأ مهرجان جمصة الصيفي الأول 2025 للترويج للسياحة وجذب الاستثمار    مصرع طفل غرقا في ترعة باروط ببني سويف    الداخلية تضبط تيك توكر يرسم على أجساد السيدات بصورة خادشة للحياء    رسميًا.. باريس سان جيرمان يتعاقد مع مدافع بورنموث    12 أغسطس 2025.. أسعار الأسماك في سوق العبور للجملة اليوم    وزير الصحة يبحث مع المرشحة لمنصب سفيرة مصر لدى السويد ولاتفيا التعاون الصحى    وزير الصحة يبحث مع مدير الأكاديمية الوطنية للتدريب تعزيز البرامج التدريبية    هل يجب قضاء الصلوات الفائتة خلال الحيض؟.. عضو بمركز الأزهر تجيب    "زاد العزة" تواصل إدخال المساعدات المصرية إلى القطاع رغم العراقيل    أمين الفتوى: "المعاشرة بالمعروف" قيمة إسلامية جامعة تشمل كل العلاقات الإنسانية    الليلة.. قصور الثقافة تطلق فعاليات المسرح المتنقل بقرية الشواشنة في الفيوم    العظمي 38.. طقس شديد الحرارة ورطوبة مرتفعة في شمال سيناء    مواقيت الصلاة في أسوان اليوم الثلاثاء 12أغسطس 2025    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بهاء طاهر.. الصدق يجدد نفسه!
نشر في الشروق الجديد يوم 05 - 02 - 2009

"الصدق هو النبرة الأولى التى تصافحك فى سطوره، والتوازن الموضوعى هو العلامة التى يقيم عليها بناء نصوصه؛ بهاء طاهر كاتب واضح، مسيطر على مادته وأدواته، جديد فى رؤيته، ومتفرد فى نوع أدائه".
هكذا وصف الأديب الكبير "علاء الديب"، أعمال أديب البوكر "بهاء طاهر"، الذى فهم طبائع الريف المصرى رغم أنه لم يعش فيه، مثلما خبر طبيعة الحضر، وفهم تكوينات الناس وحمل همومهم فعبر عنها فى أعماله.
حاز جائزة الدولة التقديرية فى الآداب عام 1998، وبعد عشر سنوات سعت إليه "البوكر" عن رواية "واحة الغروب".
ضمن مشروعها لإعادة نشر أعماله الكاملة أصدرت "دار الشروق" مؤخرا أربعة من رواياته هى "الحب فى المنفى"، و"قالت ضحى"، و"شرق النخيل"، و"نقطة النور"، بجانب "واحة الغروب"، و"خالتى صفية والدير" اللتين أصدرتهما العام الماضى.
"الحب فى المنفى"
أحداث "الحب فى المنفى" تدور على خلفية تسع العالم كله، وهى واحدة من أمتع أعمال بهاء طاهر، وتشكل حلقة مهمة فى أدبه الجسور الذى يتميز بالصدق والحرارة والعناد فى مقاومة ظروف عديدة تكرس اليأس وتدعو إلى الضياع.
هكذا كتب "مكرم محمد أحمد" فى تصدير الطبعة الجديدة للرواية التى أرخت بصدق لسقوط الحقبة الناصرية ومعها الحلم، وصعود تيارات "الصهيوأمريكى"، وهيمنة أباطرة النفط ومتلبسى الإسلام، فى ظل عجز وتهميش المثقف العربى.
وبطل الرواية مثقف ناصرى محبط، ابن فرَّاش بإحدى المدارس، منحته ثورة يوليو فرصة الصعود الاجتماعى، فآمن منذ شبابه بالثورة والحرية والعدالة والوحدة، وتطلع لمستقبل مشرق، قبل أن تتبدد أحلامه وجيله، بالانتقال من حقبة إلى حقبة، ومن زعيم إلى قائد، وما استتبع ذلك من تغييرات أو انهيارات كما يرى.
الرواية تدور أحداثها فى بداية الثمانينيات، قبيل وبعد الاحتلال الإسرائيلى لبيروت، وتصور معاناة صحفى فى الخمسينيات من عمره، تمنعه نزاهة قلمه من الاستمرار فى عمله، فتم إقصاؤه إلى سويسرا كمراسل صحفى لا ينتظر منه أخبار، ويلتقى هناك ب"إبراهيم" صديقه الماركسى الذى أُقصى لخلافه مع الرئيس السادات. وتتداخل فى شخصيته ملامح إبراهيم نوار الصحفى المصرى الذى استشهد فى بيروت، و"بريجيت" المثقفة الرومانسية التى تمثل الوجه الإنسانى للحضارة الغربية، و"مولر" الطبيب الأوروبى الذى يسعى للتكفير عن خطاياه، كما يلتقى ب"حامد" الخليجى الثرى الذى يعرض عليهم تأسيس صحيفة بالمنفى لكنهم سرعان مايكتشفون نواياه المشبوهة.
"الحب فى المنفى" مفعمة بالبوح فى الحوار الداخلى والخارجى، الذى يصل أحيانا لجلد الذات، بغرض التطهر والسلام النفسى، التى ينشدها "بهاء طاهر" فى مجمل أعماله:
"لم أكن متعبا، كنت أنزلق فى بحر هادئ.. تحملنى على ظهرى موجة ناعمة وصوت ناء عذب".
وقلت لنفسى: أهذه هى النهاية؟ ما أجملها!
وكانت الموجة تحملنى بعيدا.
"تترجرج فى بطء وتهدهدنى.. والناى يصحبنى بنغمته الشجية الطويلة إلى السلام والسكينة".
"قالت ضحى"
تتماس فيها قصة حب رومانسية مع الأحداث السياسية التى صاحبت ثورة يوليو، وتأثيراتها المختلفة على المصريين، وتبحث فى أغوار الإنسان ونظرته لنفسه ومحاولاته الدائمة لفهمها وفهم الآخرين.
قال عنها الناقد الكبير "د. على الراعى": "إنها أصدق محاولة لتضمين التراث المصرى القديم فى الأدب الحديث"، وبطل الرواية موظف بإحدى الوزارات، و"كانت السياسة ذات يوم مأكله ومشربه"، لكنه ابتعد عنها فى سياق السلبية التى انتابت المثقفين وانقطاعهم عن حركة الشارع، والهدم والتغيير الذى جرى على مجتمع الستينيات، وتصور الرواية عجز المثقفين، وانحرافهم عن التزامهم السياسى، فيما تشهد التوتر بين الحلم بالعدل الاجتماعى وبين سطوة الحب، أو الصراع بين الحب والعدل.
والبطلة "ضحى" سيدة أرستقراطية، أثرت عليها قرارات ثورة يوليو، وهى شخصية محيرة ظلت لغزا لبطل الرواية الذى أحبها دون أن يشعر، وهى كانت مختلفة فى كل مرحلة عن سابقتها، ولكلماتها مذاق وفلسفة تربكه طوال الوقت.
تفجرت قصة الحب أكثر عندما سافرا إلى روما، فى منحة ظل البطل ينتظرها لفترات طويلة، ليجهز أخته المقبلة على الزواج بالبدل الذى سيحصل عليه منها، فى حين جاءت منحة "ضحى" بسهولة ولم يمر على تعيينها فى الوزارة سوى فترة قصيرة.
فى روما تعرف البطل على "ضحى" أخرى أحبها وأدخلته معها إلى عالم سحرى لكنها سرعان ماطردته منه، وعندما سألها: لماذا رحلت "إيزيس" يا ضحى ومتى تعود؟، أجابت بصوت خافت: أنت لا تسأل "إيزيس" متى؟ ولا تسألها لماذا؟.
"شرق النخيل"
"أولاد الحاج صادق يريدون أن يكسرونا كما أرادوا دائما أن يكسرونا، وعمك يعطيهم الفرصة، جربوا ذلك مع جدك من قبل، جربوا أكثر من طريقة، أجّروا من يحرق زرعه، لكن من دفعوا له خاف من جدك".
ببراعة مزج "بهاء طاهر" العالمين فى روايته "شرق النخيل"، التى تدور أحداثها حول فكرة الانتماء للوطن، واختلافها من إنسان لآخر ومن طبقة لأخرى، من خلال الأخوين "إبراهيم" و"رضوان" اللذين يمتلكان قطعة أرض ترغب عائلة مجاورة لهما فى الاستيلاء عليها وشراءها رغما عنهما، وتختلف مواقفهما تجاه ذلك، فبينما يرى أولهما أن الانتماء هو البحث عن مصلحته وبيع الأرض لمن يرغبها، يحارب ويقاتل الثانى للحفاظ عليها.
وعلى الجانب الآخر؛ يقول "التفت سمير إلىّ وقال: وحتى لو فشل هذا الاعتصام فسيكون غيره غدا أو بعد غد إلى أن يصبح الاعتصام فى مصر كلها فتزحف للقناة وتعبر.. سيحدث هذا صدقنى، وسيحدث أكثر.. ثم اتجهنا نحو المجموعة الرئيسية التى تحيط بالتمثال. كانوا يكررون هتافا واحدا منغما: "اصحى يا مصر.. اصحى يا مصر".
بموازاة ذلك؛ كان صراعا آخر على أرض أكبر، تتسع لشعب بأكمله تخاذل عنه حكامه، أو هكذا بدا للطلاب الذين راحوا يتحلقون حول ميدان التحرير، يطالبون بالعبور، وأخبار متناثرة حول تسليح أمريكا لإسرائيل، ووصول سعر كيلو اللحم إلى عشرة جنيهات.
وبأكثر الأساليب فنية؛ أراد بهاء طاهر أن تصل الرسالة عبر "شرق النخيل" إلى قارئه، بالتوازى بين العام والخاص، بين الفرد ومجتمعه، بين مشكلة فى أقصى صعيد مصر وحالة مصر بأسرها، وبين الموقف من قضية فلسطين، وتعرض الفرد للقهر والإحباط فى أى بلد عربى.
"نقطة النور"
"رفع سالم إلى جده عينين ملهوفتين، فقال الجد بلهجة قاطعة:
لا أحد يفسر حلمك غيرك يا سالم أنا أعرف الآن أن الأفضل ألا أنطق بما لا أعلم، لكنى أعرف أيضا أنك تستحق النور الذى رأيته فى حلمك، المهم يا سالم ألا تخطئ النور عندما يجىء.
لا أفهم ياجدى.
ربما نفهم معا يا ولدى، ربما لا يكون الوقت قد فات. اليوم أنا أيضأ أريد أن أفهم.
بين "سالم" و"لبنى" والجد الباشكاتب؛ يبحث بهاء طاهر بلغة شفافة وحكى انسيابى عن "نقطة النور"، التى تنقسم إلى ثلاثة أقسام يحمل كل منها اسم شخصية مركزية، "سالم" و"لبنى"، ثم الباشكاتب "توفيق"، وهو الشخصية المهيمنة، ويتوزع حضوره على أقسامها الثلاثة، خاصة فى قسم الحفيد "سالم"، الفتى اليتيم الذى فقد أمه فى سن مبكرة، وعانى قسوة أبيه "شعبان"، التى تسببت أيضا فى موت أمه بتجاهله مرضها.
فى صباه؛ عانى "سالم" نوبات عقلية ونفسية حادة، وأصيب بشيزوفرينيا أفسدت جميع علاقاته النسائية. وفى كلية الحقوق؛ التقى "لبنى" التى أحبها كثيرا، لكنه سرعان ما هجرها تحت تأثير مرضه، عندما اكتشف أنها ليست عذراء، وعولج بالكهرباء إلى أن شفى واضطرته الضائقة المالية التى حلت بالأسرة للعمل فى أحد المطاعم، ولزم جده الباشكاتب بعدما أصابه الشلل.
أما "لبنى" فهى ابنة لطبيبين منفصلين، وكانت تقيم مع والدها، إلى أن اغتصبها مدرس وهى فى السادسة عشرة، وبعدما هجرها "سالم" شاركت فى المظاهرات الطلابية فاعتُقلت وأصيبت فى السجن بانهيار عصبى، أرسلها أبوها إلى روما للعلاج ولإبعادها عن سالم.
أما الباشكاتب الجد الذى يسكن معه "سالم" وأخته "فوزية" وأبوه "شعبان"، فهو يملك عقارا يحاول ترميمه، لكنه انهار جزئيا فى شيخوخته، وامتنع عن إخلاء البناية فلازمه "سالم".
وعادت "لبنى" من السفر وزارت "سالم" وجده، واستعادا حبهما القديم، وفسره حلم "سالم" بجريهما معا فى ممر معتم طويل خلف "نقطة النور".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.