.. أما العزاء فهو لأسرة الصحفى الحسينى أبوضيف، الذى تشكل وفاته مؤشراً على ما وصل إليه حضيض التحريض باسم الإسلام، والتحريض على الإعلام علامة عجز مخيف لدى هؤلاء عن إدراك العالم، وبعضهم يعرف أن الإدراك الصحيح لن يعطيه أبداً ما يطمع فيه، وأمثال هؤلاء يفضلون -لهذا السبب- أن يسوقوا مطامعهم باسم الإسلام، فإن أخذوا لأنفسهم ما يعرفون يقيناً أنهم لا يستحقونه فقد انتصر الإسلام، وإن منعوا فهى حرب على الإسلام! ودم الحسينى فى رقاب من حشدوا كوادرهم لفض اعتصام بهمجية لا صلة لها لا بالإسلام ولا بالدفاع عن المشروع الإسلامى، بل هو ثمرة مرة للهوس المرضى بالسلطة، والأمر فى بُعده الجنائى متروك لأهله من النيابة والقضاء لكن المسئولية الأخلاقية والسياسية عن سفك هذا الدم هى فى رقاب مرشد الإخوان ونائبه خيرت الشاطر وشريكهما محمود غزلان! والعزاء هو لأسرة «أبوضيف» الصغيرة وأسرته المهنية الكبيرة، أسرة الإعلام المصرى المبتلى بعاصفة تحريض مغرضة يتمسح مرتكبوها بالإسلام. فهو تحريض يرفع رايته أناس نعرفهم بأسمائهم. وكل متابع للشأن العام يعرف عورات الإعلام المصرى -ولا ينكر منصف أنه يعانى مشكلات قديمة/جديدة- لكن ما يحدث «إصلاح بالهدم»، وهو خيار «المنبتّ» الذى وصفه الرسول (صلى الله عليه وسلم) بأنه: «لا أرضاً قطع ولا ظهراً أبقى». والمعتصمون أمام مدينة الإنتاج هم من هذا النوع، وقول بعضهم إن المدينة «تحارب الإسلام»، يقطع بأن الغرض أصبح يحكم سلوك كثير من الرموز الكبيرة ل«إسلاميى السلطة»، وأشهد أمام الله كإعلامى أن كثيرين من هؤلاء الكبار كانوا يتمنون أن يكونوا جزءاً من هذه المنظومة التى يصفونها الآن بأنها تحارب الإسلام، وزعيمهم له الكثير من عبارات المديح فى إعلاميين وإعلاميات من هذه المدينة «المعادية»... لكن الغرض مرض! .. أما البراءة فهى من سيل الخطايا الفاحشة التى ترتكب باسم الإسلام فى أفعال بعضها تحرّج أبوجهل من أن تنسب إليه فى حربه مع الرسول (صلى الله عليه وسلم) حتى لا تعيّره بها العرب، أما «إسلاميو السلطة» فلم يتورع بعض كبارهم عن اقترافها بعد أن أصبح البقاء فى السلطة بأى ثمن هو المبدأ والمنتهى بل أصبح «المصدر الوحيد للتشريع»! ويحق لأمثالى أن يتبرأوا، أمام الله أولاً ثم أمام الناس، من خطايا قيادات «إسلاميى السلطة»، وربما وجب عليهم ذلك، بعد أن رأوا بأعينهم الحركة التى اختاروا أن يقفوا تحت رايتها تنحرف إلى عنف الخطاب والفعل دون شعور بتأنيب الضمير، وبعد أن رأوا الإسلام يتحول، بسبب التحريف والاستخدام المغرض، إلى عامل فرقة بعد أن كان أهم ما يجمع المصريين مسلمين وغير مسلمين، فرؤيته القيمية وثقافته أغنى وأكثر تجذراً بكثير فى وجدان كل المصريين من كل الحركات الإسلامية التى تقتلع بأيدى بعض أبنائها جذورها من تربة هذا الوطن ب«لؤم» يحرك كثيراً من الكبار، و«غشم» يعمى بصيرة معظم الصغار، مهما كان حماسهم ومهما كانت نيتهم الحسنة. ولهؤلاء الأتباع الطيبين أقول إن سبب المعركة مع الإعلام وكثير من رجال القضاء ليس تآمر هؤلاء ولا هؤلاء على المشروع الإسلامى ولا معاداته، ولا يعنى هذا أن مصر تخلو ممن يكرهون المشروع الإسلامى ويحاربونه لكنهم قلة قليلة جداً وليس سبيل مواجهتهم هدم كل شىء بانفعال منفلت. لكن السبب الرئيس فى هذه المعركة أن هاتين المؤسستين تحكمهما روح تحررية، وهى ليست أيديولوجيا ولا قناعة تجعلهم يحاربون لتحقيق هدف سياسى مباشر، بل هى روح عامة. وفى حقبة الظلام الاستبدادى التى انتهت بالثورة كانت هذه الروح واحة فى قلب صحراء القمع المباركى طالما لجأ إليها الإسلاميون. وفى المقابل فإن ثقافة محركى تحالف «إسلاميى السلطة» ثقافة سياسية محافظة. وهم لمواجهة الروح التحررية فى الإعلام والقضاء يخدعون جمهورهم خدعة رخيصة لكن نجاحها كان كاسحاً، وتتمثل ببساطة فى: الربط بين الثقافة الأخلاقية المحافظة والثقافة السياسية المحافظة. وهذا أحد أسباب تحول الحديث عن الديمقراطية والليبرالية كما لو كان نقاشاً فى موضوع إباحى! وفى المشهد الراهن، مثلاً، بدأت الخدعة بإشاعة أن خيام المعتصمين أوكار للرذيلة وانتهت بالفزع من الجبنة النستو!