أولاً: لدى فرضية أساسية وهى أن الانقسام والاستقطاب الحالى بين القوى المدنية والإسلامية، هو استمرار وإعادة إنتاج مشوه لانقسام النخبة والمجتمع ثقافياً وسياسياً منذ الحملة الفرنسية ونهضة محمد على، وهذا الانقسام اتخذ عناوين كثيرة أشهرها الجديد والحديث، الأصالة والمعاصرة، الوافد والموروث، وتمحور حول قضايا الهوية ونموذج النهضة والعلاقة بالتراث، ودور الدين فى الدولة، والعلاقة بالغرب.. والأزمة -وربما الكارثة- أن هذه القضايا لم تحسم واستمر الانقسام حولها.. بينما المطلوب هو نوع من التوافق والانسجام بين طرفى الاستقطاب، أى طرفى المجتمع، من أجل مواجهة مشاكل الوطن وهى كثيرة. ثانياً: التوافق يعنى تراضى طرفى الاستقطاب على حلول وسط بشأن أهم القضايا الخلافية، أو صيغ مقبولة للتعايش والعمل المشترك، وتأجيل حسم بعض القضايا المختلف عليها -حدث ذلك فى تركيا- ولا يمكن التوصل إلى التوافق إلا من خلال التنازل الطوعى للأغلبية والأقلية عن بعض مطالبها، وهو ما يتطلب قدراً كبيراً من النضج، وهنا لا بد أن تمتلك الأغلبية المسئولية والقدرة على احتواء مطالب الأقلية، خاصة عندما يكون الفارق بين الأغلبية والأقلية بسيطاً أو تكون الأقلية مؤثرة وذات وزن، إذن التوافق لا يعنى مثلاً أن تحصل الأغلبية على 70% من أصوات الناخبين، أو أن يتفق الجميع على رؤية واحدة لأنه أمر مستحيل. ثالثاً: لا شك أن الأجواء التى يجرى فيها الاستفتاء غير مواتية، لأن التوتر يسود المشهد السياسى ويقسم المجتمع ليس فقط بين القوى إسلامية ومدنية، بل بين ريف وحضر، وبين شرائح الطبقة الوسطى الخائفة، وفقراء يحلمون بشريعة تحقق العدالة والسعادة فى الدنيا والآخرة. رابعاً: فى ظل توتر المناخ العام والاستقطاب، وتحيز وسائل الإعلام، وحروب المليونيات وحصار المنشآت العامة، ومظاهر العنف اللفظى والمادى.. لا يمكن الحديث عن حرية وعقلانية النقاش العام، ولا يمكن ضمان سلمية إجراءات الاستفتاء وحيدتها. خامساً: سؤال الاستفتاء نفسه متحيز، ونتائجه متحيزة، لأن «لا» تقود إلى تمديد المرحلة الانتقالية، حيث سيجرى انتخاب جمعية تأسيسية جديدة «ثالثة» على أساس الانقسام نفسه، وستعيد على الأرجح إعادة إنتاج الاستقطاب!! وعلينا أن نلاحظ أن قطاعات واسعة من المصريين «زهقت وعايزة تخلص».. وهنا يأتى دور «نعم» لأنها تبيع وهم الاستقرار، والعجلة التى ستدور، لكن فى الحقيقة الاستقرار سيكون هشاً لأنه قائم على الاستقطاب والصراع بين القوى الفاعلة فى المجتمع. سادساً: مهما كان مسار الاستفتاء وتداعياته ونتائجه فإن أياً من «نعم» أو «لا» لن تخرج الوطن من دائرة الانقسام والاستقطاب والعنف اللفظى والمادى، بل ستعمق الأزمة وتسمح بتداولها فى دوائر مختلفة طالما غابت الثقة، من هنا ربما تؤكد القوى المدنية وقوع تجاوزات وتزوير، بينما سيركب الغرور القوى الإسلامية، ويستمرون باندفاع أكبر فى محاولة الانفراد بالسلطة وتهميش وربما تخوين المعارضة. سابعاً: مسألة التخوين والتآمر وإطلاق اتهامات بدون أدلة أو تحقيقات قضائية أخطر ما فى الأزمة الأخيرة؛ لأن هذه المفاهيم وما يرتبط بها من آليات شيطنة الآخر وتكفيره، تقود إلى الاستبداد والإقصاء، والأخير أنواع منها الاعتقال والحبس، وقد عانى منهما الإسلاميون لسنوات طويلة، فهل يلجأون إليهما ضد خصومهم؟ لو حدث ذلك لتأكدت للأسف قاعدة تقليد الضحية للجلاد، ورغبتها فى الثأر.