تحت مظلة «البراء والولاء» التى ابتدعها أقطاب التيارات الإسلامية، خرج علينا أحمد شفيق فى المؤتمر الصحفى الذى عقده أمس الأول بخطاب اعتمد على درجات متفاوتة من المراوغة والمكر فى اللعب على أطراف المشهد الانتخابى فى مصر، ويبدو أن ظل منافسه «محمد مرسى» سيطر على «النيولوك» الجديد الذى حاول «شفيق» أن يقدم نفسه به للناخب المصرى.. فقد اجتهد فى إعلان تبرئه من بعض الأطراف السياسية الفاعلة، وكذا براءته من تهم سبق أن وُجهت إليه خلال الجولة الأولى من الانتخابات، وفى الوقت نفسه أكد ولاءه لعدد آخر من الفاعلين السياسيين داخل المشهد السياسى المصرى.. فاجأنا أحمد شفيق بأداء يمكن وصفه ب«الأداء الانقلابى»، وذلك فى إطار عمليات التحضير لخوض الجولة الثانية من الانتخابات. وحتى لا يتلجلج أو يحيد عن هذا الهدف حرص على القراءة من ورقة مكتوبة أعدت له سلفا. ومن الواضح أنها خضعت لقدر كبير من التدقيق والمراجعة، وتم اعتقال «الفريق» فيها حتى لا يلجأ إلى أسلوبه المعتاد فى «التخبيط» بالكلام بصورة تؤدى إلى خلق مشاكل فى مرحلة تحرص فيها الحملة على أن تلملم أكبر قدر من المصريين حول مرشحها. انقلب أحمد شفيق أول ما انقلب على الجماعة الفلولية التى كان يشدد فى الجولة الأولى على أنه يعبر عنها ويعكس أشواقها فى القضاء على الثورة وكتابة شهادة وفاتها، وهى الجماعة التى منحته أصواتها ودفعت به إلى المقاعد الأمامية للدخول فى جولة الإعادة! والكل يذكر أن آخر جملة رددها شفيق قبل ساعات الصمت الانتخابى وهو يلوم عمرو موسى الذى اتهمه بأنه «كائن فلولى» هى «عيب يا عمرو، ما احنا الاتنين فلول». انقلب شفيق على هذا الخطاب وبدأ فى مداعبة شباب الثورة والثوار، مؤكداً لهم أن الثورة التى قاموا بها تم اختطافها بمعرفة الإخوان والسلفيين بالطبع، وأنه يريد مساعدتهم على استردادها مرة أخرى. ليس هذا فقط، بل أكد «شفيق» أيضاً أنه ينتوى الدفع بشباب الثورة إلى الأمام، وأنه لا يريد إعادة إنتاج النظام القديم فى وعد صريح بأنه توكل على الله وقرر بيع الفلول الذين كانوا سراً من أسرار تدفق الأصوات إليه فى الجولة الأولى. هنا تظهر ثنائية التبرؤ من «الفلول» والولاء للثوار فى تقليد واضح لذلك الأداء الشعبى الذى يقول فيه أحدهم كلاماً فى حضور شخصين يجامل فيه أحدهما على حساب الآخر، ثم «يغمز» للآخر فى إشارة واضحة إلى أنه «يتكلم كده وكده»! حرص خطاب «شفيق» أيضاً على التأكيد أنه يستمد شرعيته من ثورة الخامس والعشرين من يناير. وبعد الكثير من العبارات الطائشة التى ترددت على لسانه خلال الأيام الماضية والتى كانت تؤشر على تحفظه على الثورة وكراهيته لها، حاول شفيق أن يبرئ ساحته وأكد أن كلمة «الأسف» التى انزلقت من لسانه وهو يتحدث عن نحاج الثورة قد تم تحريفها، وأن أسفه كان على فشل الثورة فى تحقيق أهدافها حتى الآن، وكاد يقدم نفسه -فى هذا السياق- فى صورة المنقذ أو «المهدى المنتظر» الذى جاء ليملأ الأرض عدلاً بعد أن مُلئت جوراً. من جديد يظهر خطاب البراء والولاء؛ حيث يثبت أحمد شفيق فى «النيولوك» الخطابى الجديد أنه برىء من النظام القديم وأنه لا يعد امتداداً له، بل يمثل روح الثورة الجديدة ويأتى على مركبة شرعيتها. لم يفُت «شفيق» أيضاً أن يمارس عادات الأحياء الشعبية فى الأفراح البلدية، فوجه التحية لكل المرشحين المنافسين له فى الجولة الأولى، ومع سطوع اسم كل مرشح كانت أيدى فريق حملته تنطلق بالتصفيق فيما يشبه عزف «السلام البلدى». والهدف من الطرق على هذا الموضوع واضح، ويتمثل فى محاولة استقطاب أنصار هؤلاء المرشحين للتصويت لشفيق فى الجولة الثانية. وهو أسلوب لا يخلو من سذاجة، وقد فات «شفيق» أن يوجه التحية لمن اعتدوا عليه فى مواقف شتى خلال أيام الحملة الأولى للانتخابات؛ إذ يشير البعض إلى أن «موقعة الحذاء» التى تعرض لها أدت إلى تعاطف الكثير من المصريين معه فصوتوا لصالحه. وهو تحليل لا يخلو أيضاً من سذاجة. وفى هذا المقطع من الخطاب يؤكد شفيق براءته من ألوان الهجوم الذى مارسه على منافسيه خلال الجولة الأولى، وولاءه الكامل للجميع وأنه على استعداد لجمع هذا الكل المتنافر تحت مظلة واحدة هى مظلته الشخصية. حرص شفيق أيضاً على توجيه التحية للقوات المسلحة المصرية على أدائها فى الانتخابات.. والمسألة هنا لا تعكس نوعاً من «الاحتفاء» بالمجلس العسكرى ورجاله قدر ما تعبر عن نوع من «الاحتماء» بهم، خصوصاً أن موجات الرفض لوجود شفيق تعلو باستمرار كلما خطا خطوة إلى الأمام نحو التربع على عرش السلطة فى مصر. ويكاد يكون هذا الجزء من الخطاب هو مساحة التكرار الأساسية؛ حيث يتشابه مع التأكيدات السابقة التى لم يألُ شفيق جهداً فى الضغط بها على العقل الجمعى المصرى ويشير فيها إلى أن الجيش سوف يحمى شرعيته حال الوصول إلى السلطة. وتبرز الحاجة إلى تأكيدها فى ظل زيادة درجة الاحتقان والغضب لدى الفصيل الثورى فى مصر جرَّاء المفاجأة التى حققها فى الجولة الأولى للانتخابات. وفى هذا المقام عاد شفيق لينقلب من جديد على «الثورة والثوار» ليؤكد أن ذلك هو الثابت الوحيد فى تفكيره. فبعد أن داعبهم «ووعدهم» بالمواقع الأمامية فى مقطع من خطابه عاد ل«يتوعدهم» من خلال تلك الإشارة التحتية إلى فكرة «الاحتماء بالجيش»، ليثبت أن أعلى درجات المراوغة التى ظهرت داخل خطاب شفيق مورست بحق «الثورة والثوار».