من جنوب الصعيد جاء إلى القاهرة، حاملا حقيبته وبضعة أحلام وردية بمستقبل أفضل.. رحل الشاب عن قريته «طما» بمحافظة سوهاج تاركا وراءه بصمات داخل أروقة جامعة أسيوط التى طالما نادى فيها من خلال نشاطه الطلابى بالحريات ومنع الاستبداد إبان حكم «المخلوع»، حصل «الحسينى أبوضيف» على نتيجته من كلية الحقوق بعد حرب شرسة أدارها عبر دعوى قضائية أقامها ضد إدارة الجامعة لوقف قرار رفع المصاريف على الطلبة إيمانا منه، خاصة لميوله الناصرية، بحق الفقراء فى التعليم... استسلم «الحسينى» بعدها لنداهة «الصحافة» ورأى فيها دربا للدفاع عن المظلومين وإظهار الحق مهما تكلف الأمر، عمل صحفيا فى جريدة «الفجر»، لم يقصر يوما فى كشف الفساد وتوصيل صوت المظلومين، وعندما قامت ثورة 25 يناير كان من أوائل الصحفيين الموثقين للثورة من الميدان، وأثناء الاشتباكات وقت ثورة يناير، أصيب شاب بطلق نارى فسقط على الأرض، وحاول «الحسينى» أن يحمله إلى المستشفى الميدانى ولكن قضاء الله كان قد نفذ، ومنذ ذلك اليوم احتفظ «بالجاكت» الغارق فى دماء الشهيد مبررا ذلك بمقولته «عشان ما ننساش اللى ماتوا ونفضل ندور على حقهم». وعندما نجحت الثورة شعر الشاب الثلاثينى بأن الحق عاد إلى أصحابه، واحتفل فى الميدان بخطبته، وبدأ فى الإعداد للزواج، لكن فرحته لم تطل، فقد عادت المظاهرات والاعتصامات والاشتباكات وأصبح هناك مظلومون جدد وضحايا جدد، فقرر «الحسينى» أن يطور من أسلحته واشترى بكل مدخراته «كاميرا»، وفى يوم الأربعاء سمع بما يحدث من اشتباكات أمام قصر «الاتحادية» فالتقط أدواته وكتب تغريدة قال فيها «هذه آخر تويتة قبل نزولى للدفاع عن الثورة.. وإذا استشهدت لا أطلب منكم سوى إكمال الثورة»، رصد «الحسينى» ب«سلاحه الجديد» وجوه القتلة، اقترب منهم دون أن يخشى مصيره، حدد ملامحهم ووثق جرائمهم بعدسته، ولكن وفى تلك الأثناء، لم يكن هناك بد من تصفية من يملك فى قبضته دليل الإدانة، اغتالوه غدرا، جاءته رصاصة من مكان قريب تقصد الرأس، أدت إلى تهتك بالجمجمة ونزيف دموى غزير، وبالطبع جاء الدور على سلاحه واختفت الكاميرا وما سجله عليها، لكن جماعة الإخوان لم تفوت الفرصة وراحت تلوح بأن «أبوضيف» من شهداء الإخوان وأنه قتل واقفا فى صفوفهم، إلا أن أبلغ ما قيل فى نعيه ما كتبته الزميلة سماح عبدالعاطى: «ليه ضربوك؟/عشان قلبك بيفرز صح مين صادق ومين كداب/عشان عينك تشوف الحق رغم البعد والمسافات/عشان صوتك يهز بصدقه عرش الظلم/وينهى خرافة عايشينها بقالنا سنين/ويفتح باب قصاد الحلم ويفرش نور».