رئيس جامعة قناة السويس يكرّم الفائزين بجائزة الأداء المتميز عن أكتوبر 2025    رئيس القابضة للمياه يتفقد الإدارات والقطاعات المختلفة بالشركة    أسعار الذهب في السوق المحلية اليوم الخميس 13 نوفمبر 2025    الطماطم ب8 جنيهات.. أسعار الخضراوات والفاكهة بسوق العبور اليوم الخميس    البورصة المصرية تعلن بدء التداول على أسهم شركة توسع للتخصيم في سوق    قرار حكومي بإنشاء كلية البنات الأزهرية في مطروح    الغنام: إنشاء المخيم ال17 لإيواء الأسر الفلسطينية ضمن الجهود المصرية لدعم غزة    تعزيز العلاقات الثنائية يتصدر.. بيان مشترك لوزيري خارجية مصر وتركيا    فرق من القسام والصليب الأحمر تدخل إلى حي الزيتون شرق غزة للبحث عن جثث إسرائيليين    الأهلي يعول على محمد شريف لقيادة الهجوم أمام شبيبة القبائل    موعد مباراتي منتخب مصر الثاني مع الجزائر استعدادًا ل كأس العرب    باريس سان جيرمان يحدد 130 مليون يورو لرحيل فيتينيا    حملات أمنية مكثفة تضبط 22 طن دقيق وتلاحق المتلاعبين بأسعار الخبز الحر والمدعم    عروض أفلام الخميس 13 نوفمبر بمهرجان القاهره السينمائي    الدوسري خلال «خطبة الاستسقاء»: ما حُبس القطر من السماء إلا بسبب تقصير الناس في فعل الطاعات والعبادات    هزة أرضية بقوة 3.9 درجات تضرب منطقة قبرص    متحدث الأوقاف: مبادرة صحح مفاهيمك دعوة لإحياء المودة والرحمة داخل الأسرة والمجتمع    المناهج المستوردة كشفت الكارثة…المنظومة التعليمية تنهار والمعلمون يأسوا من الإصلاح فى زمن الانقلاب    اتحاد شركات التأمين: يثمن إتاحة الاستثمار المباشر في الذهب والمعادن النفيسة    فاصل من الكوميديا البلهاء    بورفؤاد تدفع ب7 سيارات كسح لمواجهة أزمة غرق الشوارع بمياه الأمطار    سقوط 5 أشخاص بتهمة التنقيب عن الآثار بالمطرية    إحالة عاطل للجنايات بتهمة سرقة المواطنين بأسلوب الخطف وحيازة سلاح أبيض بالزيتون    مجلة كلية التجارة بجامعة حلوان ضمن أفضل المجلات العربية    «مبروك لحبيبتي الغالية».. فيفي عبده تهنئ مي عز الدين بزواجها    إسقاط الجنسية عن شخص لالتحاقه بالخدمة العسكرية بدولة أجنبية    موعد شهر رمضان 2026.. وأول أيامه فلكيًا    الوزير: مصر مستعدة للتعاون مع الهند بمجالات الموانئ والنقل البحري والمناطق اللوجستية    طاجن الكوسة بالبشاميل والدجاج| وجبة غنية تجمع النكهة الشرقية والمذاق الكريمي    تعليم الأقصر تبحث الاستعدادات لامتحانات الفصل الدراسى الأول.. صور    زوج يقتل زوجته بعد شهرين من الزواج بكفر الشيخ    الداخلية تلاحق مروجى السموم.. مقتل مسجلين وضبط أسلحة ومخدرات بالملايين    الداخلية تكشف الحقيقة الكاملة لفيديو "البلطجي وسرقة الكاميرات" في الدقهلية.. القصة بدأت بخلاف على الميراث!    بشير التابعي: شكوى الزمالك ضد زيزو "شخصية".. وطاهر لا يستحق الانضمام للمنتخب    إيطاليا تواجه مولدوفا في اختبار سهل بتصفيات كأس العالم 2026    الأعلى للثقافة: مدونة السلوك خطوة مهمة لضمان احترام الآثار المصرية وتعزيز الوعي الحضاري    «التحديات النفسية والاجتماعية لظاهرة التنمر في ظل الرقمنة».. ندوة بآداب بنها    الكهرباء: مستمرون في التنسيق مع البيئة لتنفيذ الاستراتيجية الوطنية للطاقة والتحول نحو الطاقات المتجددة    وزير الخارجية ونظيره التركي يؤكدان دعمهما القوي للشعب الفلسطيني وتخفيف معاناة قطاع غزة    خبير لوائح يكشف سر لجوء اتحاد الكرة للجنة المسابقات لإصدار عقوبات السوبر    وزير الصحة يُطلق الاستراتيجية الوطنية للأمراض النادرة    مخاطر وأضرار مشروبات الطاقة على طلبة المدارس.. استشاري تغذية توضح    الرئيس يوافق على إصدار قانون الإجراءات الجنائية الجديد    الاتحاد الأوروبي يُشيد بالانتخابات البرلمانية العراقية    دوري المحترفين، 5 مباريات اليوم في الجولة ال 12    المجلس التصديرى للملابس يوقع مذكرة تعاون مع "الجمعية التشيكية"    طريقة عمل البطاطا بالكاسترد بمذاق لا يقاوم    مواقيت الصلاه اليوم الخميس 13نوفمبر 2025 فى محافظة المنيا    أديل تخوض أولى تجاربها التمثيلية في "Cry to Heaven" للمخرج الشهير توم فورد    إنهاء أطول إغلاق حكومى بتاريخ أمريكا بتوقيع ترامب على قانون تمويل الحكومة    إسرائيل تضغط لرفع الحظر الألماني على صادرات الأسلحة    10 صيغ لطلب الرزق وصلاح الأحوال| فيديو    صاحب السيارة تنازل.. سعد الصغير يعلن انتهاء أزمة حادث إسماعيل الليثي (فيديو)    الولايات المتحدة تُنهي سك عملة "السنت" رسميًا بعد أكثر من قرنين من التداول    «سحابة صيف».. مدحت شلبي يعلق على تصرف زيزو مع هشام نصر    غضب واسع بعد إعلان فرقة إسرائيلية إقامة حفلات لأم كلثوم.. والأسرة تتحرك قانونيا    مدير الأكاديمية المصرية للفنون في روما: إشكاليات الثقافة المصرية تحتاج إلى رؤية عميقة    قصر صلاة الظهر مع الفجر أثناء السفر؟.. أمين الفتوى يجيب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أيها الخطباء.. إنه منبر النبى!
نشر في الوطن يوم 02 - 12 - 2012

حضرتُ خطبة جمعة فى صنعاء أيام حرب الخليج، وكان الخطيب متحمساً للرئيس العراقى صدام حسين إلى درجة أن ألقى قصيدة فى مدحه من على (المنبر) شبهه فيها بصلاح الدين الأيوبى!
ولم تمض فترة، حتى كان خطيب الجمعة يتهم صدام بأنه السبب فى هيمنة الأمريكان على المنطقة!
وفى حرب 94 بين الحزبين الحاكمين فى اليمن، صدعت المنابر بالدعوة إلى الجهاد فى سبيل الله لصالح أحد الحزبين ضد الحزب الآخر على اعتبار أن من فى الحزب الثانى كفار شيوعيون وجهادهم فريضة..
مع أننى سمعت أحد هؤلاء الخطباء فى مناسبة زواج بصنعاء، يقول لأحد قيادات هذا الحزب قبل الحرب بشهرين: إن الخلاف الذى بيننا خلاف سياسى وليس بخلاف عقائدى لأنكم مسلمون..
وهكذا جرى تجييش الشباب على قدم وساق، وارتفعت أصوات المنابر بنداء «حى على الجهاد»، وعقدت دروس فى المساجد تحكى (كرامات) المجاهدين..
ومن هذه (الكرامات): أن عدداً من (الحمير) ركضت أمام الشباب (المجاهدين) فى حقل ألغام، فانفجرت الألغام فى الحمير ونجا هؤلاء الشباب من موت محقق! قيل هذا فى محاضرة مسجّلة.
وسالت الدماء أنهاراً.. وكان القصف ينهال على المدنيين الذين لم يشاركوا فى القتال.
وقد رأيت بعينى فى مستشفى عدن جثثاً لأسرة مكونة من الوالدين وثلاثة أطفال أحدهم رضيع بين ذراعى أمه وقد تفحّموا، كما رأيت أعداداً ممن فقدوا أعضاءهم وآخرين ينزفون.
وبعد الحرب صار الحزب الذى نادى خطباؤه بالجهاد شريكاً للحزب المنتصر فى حكم البلاد، ثم اختلف الحليفان، وتنازعا السلطة، وأقصى الحزب الحاكم شريكه حزب الخطباء.
فضجّت المنابر مرة أخرى..
لكن هذه المرّة ضد الحزب الذى كان القتال فى صفّه بالأمس جهاداً فى سبيل الله!
وبينما يُطلق الرئيس حملته الانتخابية من جامعة إسلامية يرأسها داعية قيادى فى حزب الخطباء، كانت (المنابر) تصدع فى نفس الوقت بأن انتخاب منافس الرئيس واجب شرعى.. لأن الرئيس كما يراه الخطباء (فاسد)!
ولا تنتهى تناقضات خطباء السياسة عند هذا الحد، فبعد سنوات تشكّل ائتلافٌ سياسى فى اليمن اسمه (اللقاء المشترك) وكانت (الصدمة) الكبرى، لمن لديه قدرٌ بسيط من حضور الذاكرة، حيث تحالف فيه خطباء (منابر) الجهاد المزعوم عام 94 مع من كانوا ينعتونهم بالكفار الشيوعيين ضد الحزب الحاكم الذى غدر بهم وأقصاهم عن السلطة، بعد أن كانت (المنابر) بالأمس تُجيّش الشباب (للجهاد) معه ضدهم!
فهل أسلم كفار الأمس وكفر مسلموه اليوم؟
وتمضى الأيام.. حتى جاءت ثورة اليمن فى خضم لما سمى بالربيع العربى..
وفى هذه المرة، انقسمت المنابر بين محرّضٍ يدعو إلى الثورة باعتبار أنها مطلب إسلامى لإحقاق الحق ومناهضٍ لها على اعتبار أن الثورة خروج على ولى الأمر المُنتخَب.
بينما تردّدت مواقف كبار الخطباء (ومنهم الخطيب الذى أطلق الرئيس حملته الانتخابية من جامعته الإسلامية)، فهُم بين محاولة الصلح والسعى إلى المواءمة حقناً للدماء، وبين الثناء على الشباب الثائر.
تعانى صنعاء الآن، نتيجة لهذا العبث، من سقوط مصداقية (المنبر) إلى درجة تفشّى فيها التنصير السرى وأخذت القاديانية والبهائية طريقها للانتشار بين بسطاء الناس، مع نمو سريع لأفكار اللادينية لدى مثقفى الشباب فى اليمن.
والله المستعان..
وكم يردد الشباب متسائلين:
لماذا تُستغَل المنابر وتوظَف فى ألاعيب السياسة؟
لماذا يصرخ فينا الخطباء ومكبر الصوت ملتصقٌ بأفواههم؟
لماذا لا يذكرون إلا النار والعذاب والغضب؟
لماذا يُشعروننا وكأن الله لا يُحبنا؟
لماذا نشعر من طريقة كلامهم بالاستخفاف بعقولنا؟ أم أن المشكلة فى عقولهم؟
لماذا يستغلون أننا مُلزَمون بالإنصات للخطيب ليُفرغوا غضبهم وعقدهم فينا؟
لذا، أناشدكم الله إخوتى الخطباء، لا تجعلوا منبر (النبى) جزءاً من التنافسات السياسية، فتُفقِدوها مصداقيتها.
لا أتحدث بلغة عزل المنبر عن الحياة، فمهمّة منبر النبى صلى الله عليه وآله وسلم ترشيد الحياة، لكن هذا الترشيد يفقد مصداقيته إذا أصبح جزءاً من لعبة التنافس على الحكم.
إخوتى الخطباء:
ليصدع منبر (النبى) صلى الله عليه وآله وسلم مبيّناً للنّاس هديه الشريف..
لنخطب عن أخلاق العمل..
لنخطب عن قيمة الإتقان..
لنخطب عن أهمية الإنتاج..
لنخطب عن فريضة العدل..
إخوتى الخطباء:
هيا بنا نخطب عن فرض الكفاية فى الشريعة، حتى نأكل ما نزرع، ونلبس ما ننسج، ونصنع ما نستخدم..
هيا بنا نُبيّن للناس أن تخلُّفَ الأمّة عن ركب الحضارة (حرام)، وأنّ «من لا يأكل من فأسه لا ينطق من رأسه» كما كان شيخنا الإمام الشعراوى يُردد.
هيا بنا نبيّن للناس أن من لا يستقلّ باقتصاده لا يملك قراره.
إخوتى الخطباء:
هيا بنا نخطب لتوعية الناس بمبادئ الشريعة وآدابها فى الاختلاف، وكيفية إدارته..
قيمة الصدق، ومسئولية الكلمة..
حقن الدماء، وحرمة النفس..
أمانة الرأى، وقوة الحق..
واحترام حق الاختلاف..
إخوتى الخطباء:
هيا بنا ننشر الوعى بأهمية المحبة والأخوة، واحترام بعضنا البعض..
وتعظيم الحرمات، فلا قذف ولا سب ولا لعن، تطبيقاً للشريعة كما قال تعالى: {وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً}.
(كل المسلم على المسلم حرام، دمه وماله وعرضه)، كما قال صاحب المنبر.
إخوتى الخطباء:
هيا بنا ننشر أهمية رعاية حرمة غير المسلم، عملاً بقوله تعالى: {مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِى الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً}.
وعملاً بقول صاحب المنبر: (من قتل نفساً معاهداً لم يَرِحْ رائحة الجنة، وإن ريحها ليوجد من مسيرة أربعين عاماً)، و(ألا من ظلم معاهداً أو انتقصه أو كلّفه فوق طاقته أو أخذ منه شيئاً بغير طيب نفسه فأنا خصمه يوم القيامة)..
إخوتى الخطباء..
هيا بنا ننشر أهمية القيام بحقوق الوالدين، والتوبة من العقوق، وأهمية أداء حقوق الأبناء، وحسن الرعاية لهم.
هيا بنا نُذكّر بحق الأرحام وخطورة قطيعة الرحم، وحق الجار وعدم إيذائه، وحق الطريق، وحق من يمشى فيه.
إخوتى الخطباء:
هيا بنا نخطب عن أداء الأمانة، والوفاء بالعهد والوعد، وصدق القول..
هيا بنا لنُعلّم الناس أن حقيقة التديّن ليست فى المظاهر والهيئات، ولكنها تظهر فى ميادين المعاملة.
فالمُعلّم يُحضّر لدرسه ويلتزم بحصصه ويهتمّ بطلبته، والعامل يُتقن عمله وينضبط فى دوامه ويُجوّد إنتاجه.
والتاجر يصدق فى قوله ويكون أميناً مع المستهلك رحيماً بالفقراء، والسياسى يفى بوعده ويؤدى أمانته ويُؤْثر القضية العامّة ومصلحة الأمة على نفسه وحزبه.
إخوتى الخطباء:
هيا بنا ننبّه الناس إلى أهمية حماية البيئة، وأن الله استخلفنا فى الأرض، وحمّلنا أمانة الحفاظ عليها.
هيا بنا نُذكّر الناس بأن الله جعل الفلاح منوطاً بتزكية النفس، وتغليب فضائلها على رذائلها.
وأن الله جعل الخيبة فى إهمال تهذيبها وإقرارها على أطماعها ورَغباتها..
{قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا، وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا}
هيا بنا نخطب عن حسن الظن بالله تعالى، ونذكّر الناس بعظيم رحمته، وعنايته وحلمه ومغفرته.
لنحبب الله إلى خلقه، ونشوِّقهم إلى قربه.
هيا بنا نخطب بما يفتح أبواب الأمل فى فضل الله، ونجعل الناس يُقبلون على بناء أوطانهم بسعادة وفرح ورجاء.
إخوتى الخطباء:
أليس فى هذا تفعيل لدور المنبر فى الحياة؟
هكذا كان منبر النبى صلى الله عليه وآله وسلم وهكذا ينبغى أن يكون.
إخوتى الخطباء:
إن اعتلاء منبر النبى مسئولية ثقيلة ينبغى أن نستشعرها، فتخفق قلوبُنا عند ارتقاء درجاته، وترتعد فرائصُنا عند التفكير فى ثقل أمانته، وتكون ألسنتنا من وراء قلوبنا عند إلقاء الخطب، حتى لا تلهث قلوبنا وراء ألسنتنا.
لم أخطب منذ عامين سوى ثلاثة جُمع على الرغم من أن المنابر متاحة للفقير إلى الله، وذلك للشعور بجلال المنبر، وعِظم مسئولية ما سيُقال من على سُدته، لا سيما فى هذه المرحلة الحرجة..
اللهم ارزقنا الإخلاص لك فيما ننوى ونعتقد ونقول ونفعل.. يا كريم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.