هل تعرفنى؟ يسأل «مشروع الدستور» مَن حوله باحثاً عمَّن يرد إليه ذاكرته التى فقدها، فينظر إليه المحيطون باندهاش: لا يعدم معرفتك إلا جاهل، فأنت من تنظم حياتنا، لا تبخس قدرك. دمعة لامعة فى عينه لا تمنع ابتسامة تسللت إلى وجه «مشروع الدستور»، يرد على المحيطين: إذن تعرفوننى.. فلماذا كل هذا التخبط نحوى؟ لست الرجل الذى يحتمل العبث به، شاخ جسدى، عمرى يزيد على 175 عاما -منذ أول وثيقة دستورية صاغها محمد على باشا- لكننى أغير ثيابى من حين لآخر، أساير العصر، لكننى أبدا لا أبحث عن الموضة، لا يهمنى أن يكون الزى الرسمى الآن «جلبابا» أو «غترة» بقدر ما يهمنى أن تكون هيئتى تناسب الجميع وتحفظ لمصر صورتها؛ لذا فرفقا بى، لقد طال خلافكم وعجزت عن معرفة ماذا تريدون منى وبى. 234 مادة خرج بها «مشروع الدستور» فى زيه الجديد، فات واضعيه من «لجان تأسيسية» -أصابها «الحل والتبديل بالاحتياطيين» أكثر مما أصاب أعضاءها فى وضع مواد الدستور- شرح المراد من زيادة عدد المواد 23 مادة، من 211 إلى 234، 15 يوما فارقة قد يتحول فيها المشروع إلى موضوع بفعل الاستفتاء. «أراك حائرا بشأنى».. يباغته «مشروع الدستور» باستفهامه، فيرده المواطن إليه عاجزا: قرأتك مشروعا ولا أتصورك «موضوعا»؛ فالشيطان يكمن فى التفاصيل، وآليات الانتهاء منك والتصويت عليك شابها الكثير من الشبهات، الآن لم يعد أمامى سوى خيارين فى استفتاء أُجبرت عليه: «لا» ستفقدنى فيك مواد حقيقةً أراها جيدة، و«نعم» ستقودنى إلى مواد «ما أنزل الله بها من سلطان».. لا أرفضك كاملا، لكننى لا أراك أيضا كاملا، يكفينى ما قاله فيك حافظ أبوسعدة، رئيس المنظمة المصرية لحقوق الإنسان: «أسوأ دستور كُتب فى تاريخ مصر الحديثة؛ فالمادة 70 تجيز تشغيل الأطفال حين يبلغون سن التعليم الإلزامى (6 سنوات) فى أعمال مناسبة».. ويكفينى أنك ألغيت المواد التى تكفل حرية الصحافة وتركتها عرضة للتنكيل بها من البرلمان، ولم تلغ المادة التى تتيح محاكمة المدنيين أمام القضاء العسكرى وتركتنى عرضة لتنكيل العسكر. يسير «مشروع الدستور» على غير هدى، يبحث عن عاقل يهتم فقط بمصلحة الوطن، بحث «المشروع» فى رحلته عبر 100 وجه تقلصت فى جلسة التصويت على مواده إلى 85 عضوا عن وجه يبغى مرضاة «مصر» فتفاجئه الوجوه: وجه يبغى مرضاة «الإخوان»، وآخر يبغى مرضاة «الأقباط»، وثالث لا يبغى سوى مرضاة نفسه، مدعيا أنها «مرضاة الله».. وبين الثلاثة جسد يتمزق يتهلهل يزينه غلاف خارجى كتب عليه وببنط عريض «مشروع دستور مصر 2012».