تنشر "الوطن" نص كلمة الرئيس عبدالفتاح السيسي في الاحتفال بذكرى المولد النبوي. قال الرئيس السيسي في بداية كلمته: "فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر الشريف، والعلماء والدعاة الأجلاء، نحتفل اليوم معًا بذكرى مولد نبينا الكريم، الذى أرسى بالحكمة والموعظة الحسنة دعائم دين عظيم، وأثنى الله العلي القدير على خلقه القويم بقوله "وإنك لعلى خلق عظيم". وأكد: "احتفالنا اليوم بذكرى مولده الشريف يدعونا إلى تدبر سيرته العطرة والاقتداء بأخلاقه الكريمة، لتكون لنا نورًا يهدينا سواء السبيل في ديننا ودنيانا، فلنتخذ من ذكرى ميلاده بداية جديدة تعيننا على أن نواصل مسيرة حياتنا، نحفظ بها ديننا دون غلو أو تطرف، ونصون بها دنيانا لنحقق خلالها مراد الخالق -سبحانه وتعالى منا- نبنى ونعمر، نتعارف ونتآلف، ونقدم للعالم بأسره صورة حقيقية عن ديننا الحنيف بسماحته ورحمته، وحثه على حب الوطن، وإعلاء مصالحه وإيثاره على الجميع". وتوجه السيسي لشعب مصر والدول الإسلامية والعربية بالتهنئة بتلك المناسبة الجليلة، داعيًا الله -عز وجل- أن يعيدها بكل الخير والتوفيق على عالمنا العربي، وهو أعلى شأنًا وأفضل حالًا وأكثر أمنًا واستقرارًا. وأضاف: "رسالة الإسلام التي تلقيناها من الرسول الكريم جاءت تأكيدًا للصلة المباشرة بين الإنسان والخالق، وانتصارًا لحرية الإنسان وتخلصه من الرق والعبودية، وحرية الإيمان والاعتقاد، وحرية الفكر إلا أن تلك الحريات لم تأت مطلقة؛ حتى لا تحولها نوازع النفس البشرية إلى فوضى تبيح التخريب والتدمير، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وجعل من قتلها بغير نفس أو فساد في الأرض كمن قتل الناس جميعا". وأوضح، أن جميع تلك الحريات ينبغي أن تقف عند حدود حريات الآخرين، تحترم الجميع ولا تخرج عن المنظومة المحكمة، التي خلق الله الكون في إطارها، مشيرا إلى أن ما نعتبره قيدًا على حرياتنا إنما يصون حقوقنا في مواجهة الآخرين. وتابع: "عجبًا لمن يبررون إرهابهم وأعمالهم الوحشية باسم الدين، ويتخذون منه ستارًا لها، وهو أبعد ما يكون عنها بل حرمها وجرمها، يخرج أولئك عن إطاره القويم، ويعتنقون أفكارًا متطرفة، ويستندون إلى تفاسير مغلوطة لتحقيق مصالح ضيقة ومآرب شخصية". وأشار إلى أن رسالة الإسلام، أرست قواعد التعايش السلمي بين مختلف الأديان والأعراق، كما نظمت علاقات المسلمين بغيرهم في إطار من التقدير والاحترام للتنوع والاختلاف. كما أكد أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أرسى تلك القواعد في تعامله مع يهود المدينة، وفي احتواء المسلمين من غير العرب تطبيقا لمبدأ أنه لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى، وحرص فاروق الأمة، الخليفة العادل عمر بن الخطاب على استمرار تلك القواعد عملًا لا قولًا في عهدته التي أعطاها لأهل بيت المقدس، فأمنهم على حياتهم وأموالهم وكنائسهم، وإذا كان لدينا كل هذا التراث من التعاون والتسامح فلنجعله دستور عمل وحياة، نحقق من خلاله إرادة الله الذي ارتضى أن يجمع الخلق كافة على اختلاف أديانهم وأعراقهم فوق أرضه وتحت سمائه من آمن منهم ومن لم يؤمن، فلماذا لا تتسع الصدور وتستوعب العقول التنوع والثراء في الأديان والمذاهب والأعراق في ربوع وطننا العربي، ولماذا يسمح البعض باستغلال هذا التنوع سلبًا وبتوظيفه من قبل أطراف داخلية وخارجية؛ للقضاء على الدولة الوطنية في عالمنا العربي والإسلامي. وقال: "إننا بحاجة إلى وقفة مصارحة مع أنفسنا لنتبين الفارق الشاسع بين حاضرنا الراهن وماضينا المجيد، لقد حان الوقت لنحقن دماءنا، وننبذ خلافاتنا، ونلتفت لمصالح أوطاننا وأمتنا، نبدأ فصلًا جديدًا من التعاون والإخاء والتنمية". ونوّه: "نعلم جميعا كمسلمين أن رسول الله كان مهمومًا بأمته، وجعل دعوته شفاعة لأمته يوم القيامة، وكان الهادي البشير يريد أن يباهي بالمسلمين الأمم يوم القيامة، كان ذلك رجاؤه وهو في غنى عنا، فماذا قدمنا له ولديننا ولأوطاننا وأنفسنا، ونحن أحوج ما نكون إليه". وشدد: "إن المباهاة لن تكون عن كثرة العدد وإنما بحجم الإسهام في تقدم البشرية، إن ديننا الحنيف وسنة نبينا المطهرة، طالما أكدا أهمية إتقان العمل، وأرشدانا إلى أن قيمة الفرد المسلم تقاس بحجم ما يساهم به في تحقيق النفع والمصلحة العامة، والارتقاء بأوضاع أمتنا الإسلامية لتتبوأ مكانها اللائق بين الأمم". وأشار إلى أن الأمانة قيمة عظيمة حملها الإنسان، وتنسحب تلك القيمة العظيمة على كل مناحي حياة الفرد المسلم وأهمها الكلمة، فما بالنا إذا كانت تلك الكلمة تساهم في تشكيل الوازع الديني في نفوس المسلمين، وتملأ عقولهم ونفوسهم إما بنور الإيمان وسماحة الدين أو بأفكار مغلوطة تسيء للدين ذاته، قبل أن تسيء إلى من طرحوها واعتنقوها، فلا شك حينئذ أن أمانتها تتعاظم ومسؤوليتها تتضاعف. وأوضح: "أقول لعلمائنا ودعاتنا الأجلاء استمروا بعزم لا يلين في تصويب الخطاب الديني، وأعيدوه إلى جادة الصواب، وكونوا من بين من قال فيهم رسول الله (يبعث الله لهذه الأمة على رأس كل مائة عام من يجدد لها دينه). وتابع: "لقد أرسى الإسلام الحنيف مبدأ الشورى، وكان نبينا الصادق الأمين سمحا متفتحا لم يتعصب أبدا لرأي ولم يتحزب أبدا لفكر، وإنما كان يشاور أصحابه ويعلي آراءهم ما دامت تحقق المصلحة العامة". وقال: "لقد تطور مبدأ الشورى واقتضت معايير الحداثة والتطور والنمو السكاني، أن يتم تشكيل مجالس النواب لتمثل مشاركة شعبية لصانع القرار تصوغ القوانين وتراقب الحكومات، ولقد أكملت مصر الاستحقاق الرئيسي الثالث لخارطة المستقبل بمشاركة واعية من المرأة المصرية واختار الشعب مجلس النواب؛ ليكتمل بذلك البناء المؤسسي والتشريعي للدولة المصرية، لتواصل مسيرتها نحو غد أفضل بالتعاون البناء والعمل المشترك بين مختلف السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية. ووجه كلمة للشعب: "إن تلك المناسبة العظيمة التي تجتمع فيها أرواحنا معًا تمثل فرصة سانحة لأتحدث إليكم مباشرة حديثا من القلب، فموقع الرئاسة الذي توليته بإرادتكم الحرة ما هو إلا تكليف وضعني أمام العديد من المسؤوليات الجسام التي أدعو الله -عز وجل- أن يعينني عليها بمساعدتكم، وأنا أسعى جاهدًا بمعاونة الحكومة للوفاء بمتطلباتكم، وفي هذا الإطار جاءت مبادرة توفير السلع الغذائية بأسعار مناسبة في الأسواق المصرية؛ للمساهمة في تخفيف الأعباء عن أهلنا من محدودي الدخل والمواطنين الأولى بالرعاية". كما أكد أن كرامة المواطن المصري تعد أحد أهم أركان استقرار الدولة، فالإنسان الذي كرمه الله، لا يمكن لإنسان مثله أن ينزع عنه تلك المنحة الإلهية، فلنعمل معًا على ترسيخ إطار من الاحترام والتقدير المتبادل بين المواطن وأجهزة الدولة؛ ليحصل كل مواطن على حقوقه كاملة، ويؤدي واجباته غير منقوصة إزاء الوطن، وسأظل أعمل بتعاونكم وجهدكم وبدعمكم وبدعوات البسطاء منكم، من أجل حياة أفضل لنا جميعا".