انتهى يوم التظاهر الأول، وانفض عدد كبير من متظاهري التحرير في جمعة "للثورة شعب يحميها"، في الميدان تعالت أصوات الميكروفونات "يا جماعة عايزين متطوعين للجان الشعبية على البوابات.. اللي عايز يتطوع يروح عند مداخل الميدان".. جملة أعلنت تحويل المليونية إلى اعتصام مفتوح قائم حتى تحقيق المطالب. المطالب.. هي كلمة السر في كل حشد يحتشد فيما بعد الثورة، يعرض حاتم السويفي مطالب الميدان أمام خيمة قرار قضاء ليلة اعتصامه بها "إلغاء الإعلان الدستوري، هذا هو المطلب الوحيد والأهم وراء هذه المليونية"، ويستطرد حاتم قائلا "لا يوجد أي حل سوى إلغاء الإعلان الدستوري، وتجاهل هذه المطالب انتحار سياسي سيؤدي إلى كارثة حقيقية". أمام الخيمة التي اعتصم بها حاتم السويفي، احتشد عشرة من الأصدقاء على كراسيهم، دارت بينهم أحاديث حول عن المطالب، واحتمالات الاستجابة لها، وكذلك اتهامات من هم خارج الميدان للميدان بأن "نصف حشده فلول، طيب ما كلنا فلول، كلنا كنا صامتين على فساد نظام مبارك، وكلنا قمنا ببيع ضمائرنا". انقسم الميدان نصفين في ليلة الاعتصام الأولى ضد الإعلان الدستوري الصادر عن رئاسة الجمهورية، نصف مضيء احتشد فيها آلاف المعتصمين من مختلف الانتماءات السياسية، ونصف ثان مظلم، جهة ميدان سيمون بوليفار، حيث تحتشد قوات الأمن المركزي لصد أي تقدم ناحية السفارة الأمريكية ومنها إلى وزارة الداخلية، حيث سدت وزارة الداخلية كافة الطرق المؤدية إليها بالحواجز الخرسانية. يعلق محمود السهيلي، أحد المعتصمين، على نشوب الاشتباكات بين الحين والآخر "هذا، بكل تأكيد، أمر سلبي لكن أي شيء جيد، وأي حشد لأهداف جيدة لابد من شيء يعكر صفوه وأظن ليس من الحكمة بمكان أن ننتقل إلى أماكن أخرى غير ميدان التحرير، لأن ذلك سيحدث في صفوفنا خسائر لا داعي لها، وكذلك خسائر في صفوف قوات الشرطة، وهم إخوتنا ولا مشكلة بيننا وبينهم، ولكن مشكلتنا مع نظام ديكتاتوري، ولا مشكلة حتى مع شباب الإخوان ممن يرون أن الرئيس أخطأ بإصداره الإعلان الدستوري المكمل، وأكررها نرحب بشباب الإخوان الذين لم يتجرعوا بعد من كأس الجماعة الذي يجعلهم مقبلين جداً على أخذ كل شئ في البلد". تجمعت دوائر من الشباب المعتصمين بميدان التحرير أنشدوا في حلقاتهم أغاني للراحل سيد درويش، والراحل الشيخ إمام، وبعض الأغاني الحديثة التي تتغنى بالثورة، أحمد الجزيري، يقضي اعتصامه في حلقات سمر مملوءة بالموسيقى هو وأصدقائه المعتصمين معه في الميدان، يقول الجزيري "الموسيقى ضمن الحاجات التي تعيد إلينا روح الميدان، وعزف الأغاني الثورية وترديدها يذكرنا بأيام الاعتصام الأولى سواء اعتصام يناير الأول أو اعتصام مجلس الوزراء". يعقد الجزيري الشبه بين اعتصام التحرير الحالي، الهادف إلى إسقاط الإعلان الدستوري الرئاسي، وبين اعتصامات الميدان السابقة، فيقول "الاعتصام الحالي اقرب شبهاً إلى اعتصام يوليو 2011، ففيه كان الحال نفسه اعتصام ملأ الميدان بخيام كثيرة جداً، لكنه قوبل بتجاهل تام من النظام الحاكم، وهذا هو الحال الآن، خيام كثيرة ومتظاهرون تعدوا حاجز المليون، ومطلب صريح واضح، لكن النظام يتجاهله، اتمنى أن يخيب ظنّي". امتلأ الميدان بكثير من المعتصمين، تعدوا الآلاف تناقصت الأعداد مع هبوط منتصف الليل، من تبقوا اعتمدوا على الباعة الجائلين لبيع مأكولات خفيفة، وأكواب الشاي والنيسكافيه، مع منتصف الليل حضر إلى الميدان عدد من الشخصيات العامة مثل المؤلف محمد العدل، والفنانة جيهان فاضل، وغيرهما ممن التف حولهم عشرات المعتصمين لتناول أطراف الحديث وبحث سيناريوهات الاعتصام الجاري، وافتراض ما يمكن افتراضه من استجابات إيجابية أو سلبية من قبل رئاسة الجمهورية لاعتصام التحرير. حسن عبد الحكيم، أحد المعتصمين، جلس إلى أصدقائه في دائرة واسعة عند لافتة كبيرة أضيئت بلمبات النيون مكتوب عليها "كفاية"، تذكر عبد الحكيم وأصحابه الاعتصامات السابقة "كان أجملها اعتصام مجلس الوزراء، كنا فيه قد عرفنا بعضنا جيدا ودام الاعتصام أكثر من شهر، وواجهنا خلاله صعوبات كثيرة، لكن أكثر الاعتصامات سخونة على الإطلاق كان هنا على هذه الأرض اعتصام محمد محمود الذي لم يكن اعتصاما عاديا لأن الاشتباكات فيه كانت على مدار الساعة، وكنا في أوج حماسنا وغضبنا في وقت واحد". صالح الوراداني، صاحب محال بقالة، قال "الرئيس قال كلام وخالفه من بعد ذلك، الحشد اليوم جيد جدا، وسأدعمه بقدر المستطاع، كنت في الاعتصامات السابقة أشترى ما أستطيع شراءه أنا ومجموعة من أصدقائي من مستلزمات العلاج للمستشفى الميداني، وها أنا ذا جاهز لشراء ما يستلزمه المستشفى لو أن الشرطة حاولت التعدي على المتظاهرين إذا ما تضاءل العدد ولا أظن أن العدد قد يتناقص". أعد الورداني لافتة كبيرة أحضرها هو وابن أخيه محمد أحمد الورداني اقتبس منها بعد عبارات للرئيس أثناء خطبته الأخيرة أمام حشود الإخوان المسلمين عند قصر الاتحادية حين قال خلالها الرئيس "أنتم مصدر السلطات".. جملة أراد لها الورداني أن تشهد على الرئيس "لأنه قسّمنا هو وجماعته إلى شعبين وحزبين.. حزب الإخوان وهم مصدر السلطات، وحزب المعارضة الذي اتسع حتى ضم الثوري والفلول واليميني واليساري وهم الأقل منزلة في هذا الوطن".