لم يكن هتاف الملايين من المصريين " يسقط ..يسقط حكم العسكر " مجرد نداء تنشق عنه الحناجر ، و تطالب به الجماهير لتسليم المجلس العسكري الحاكم مقاليد السلطة للمدنيين. الكلمات الموجزة أعطت وصفا دقيقا لحال مصر منذ وصل العسكر إلى سدة الحكم عقب ثورة يوليو 1952 ، مصر التي خضعت لحكم نخبة عسكرية قادت ثورةعلى أوضاع خاطئة ، لكن هذه النخب التي جاءت في ظرف تاريخي لم تعد إلى ثكناتها كما كانت رغبة الرئيس الراحل محمد نجيب ، لقد رسخت أقدامها في كل مناصب الدولة ، و على مر الأيام و السنوات توارثت تقليدا حرص النظام الحاكم على ترسيخه ، كلما خرج لواء او عميد من الخدمة العسكرية إلى المعاش تولى منصبا مدنيا في الجهاز الإداري للدولة ، و بالغ الرئيس المخلوع حسني مبارك في اعتماد هذه السياسة في إكرام العسكريين في نهاية خدمتهم و حياتهم المهنية . تتفق كل دساتير مصر على دور القوات المسلحة في حماية البلاد و الحفاظ على أمنها وسلامة أراضيها، ، و لا يختلف اثنان على أن الجيش قام بهذا الدور " العسكرى " بكفاءة ، لكن جنرالات الجيش المصري يمارسون بعد تقاعدهم دوراً ثانياً " مدنياً " هو حكم مصر التي استقرت دساتيرها المتعاقبة على أنها دولة مدنية . أينما وجهت بصرك في وزارة او محافظة ، جامعة أو مؤسسة ، شركة أو مصنع بطول مصر و عرضها ، تستوقفك ظاهرة العسكريين في ملابس مدنية ، يدافع البعض عن هذا المسلك و يتعبر أن رجال القوات المسلحة هم المثلا المحتذى في "الضبط و الربط" ، فيما يهاجم البعض ظاهرة "عسكرة الدولة " بسحب البساط من تحت أقدام المدنيين و إسناد وظائف الدولة للمتقاعدين من الخدمة في صفوف الجيش. هذا الملف يرصد أبعاد ظاهرة الدولة العميقة للعسكر ، و يناقش فكرة تولي العسكر الوظائف المدنية" ، و يطرح سؤال هل فشل العسكر في حكم مصر أم كان للعديد منهم بصمات في الحياة المدنية المصرية.