لم أندهش كثيراً لصدور الإعلان الدستورى الكارثى الذى أصدره الرئيس محمد مرسى، فكل المقدمات على مدى الشهور الماضية كانت تشير إلى أن الرئيس وجماعته ومحبيه، مصرون على السيطرة على الجمعية التأسيسية لكتابة الدستور، وأنهم لن يتنازلوا عنها تحت أى ظرف، وواضح أنهم لا يبالون بما قد يحيق الوطن من مخاطر إزاء استمرارهم فى مسعاهم هذا حتى النهاية. فالرئيس وجماعته مصران على تشكيل أساسات الجمهورية الجديدة على مقياسهم الخاص لماهية الوطن والدولة والهوية، وهم فى ذلك مندفعون غير صابرين، مستبعدون كل الطيف الاجتماعى والسياسى المصرى، بل إنهم ينكرون وجود القوى السياسية الأخرى، ويعتبرون أنفسهم فقط الممثلين للشعب الذى يتوق إلى نموذجهم فى الحكم!! ولست أعرف إن كان ما يفعله الرئيس وجماعته ومحبيه هو من باب المناورات السياسية سعيا لتنفيذ أحلامهم فى حكم مصر لسنين عديدة، أم أنها ضلالات وأوهام لا يحكمها عقل ترسخت على مدى السنوات فى الذهن، نتيجة الانكفاء على الذات والاستقالة من الثقافة والمعرفة بالوطن وتاريخه والإنسانية وخبراتها. لكنى أعرف على وجه اليقين أن هناك كثيرين من أبناء هذا الوطن كانوا، ولا يزالون، على قناعة أن مصلحة هذا البلد تقتضى استيعاب التيار الإسلامى فى العملية الديمقراطية، ومساعدتهم فى تطوير خبراتهم السياسية، وقد سعوا على مدى الشهور الماضية إلى تقديم النصائح والأفكار والمبادرات للكثيرين من قيادات الجماعة وحزبها، لكنهم، الجماعة وأخواتها، لم يسمعوا لأحد ولم يسعوا لرأب الصدع مع أحد، وأفشلوا كل مبادرة للحوار، وانطلقوا فى مسعاهم عابثين غير عابئين بما قد يحيق بالوطن من أخطار جراء سياستهم هذه. ولست متفائلاً بأن الرئيس وجماعته أصبحوا قادرين الآن على استيعاب ردود فعل الشارع السياسى لما أقدم عليه، وحتى لو ألغى الإعلان الآن، فلن يوقف هذا الحشود التى ستتجمع اليوم مطالبة بإسقاطه ونظامه وجماعته، وبغض النظر عن شرعية هذه المطالب، فالمؤكد الآن أن حالة الاستقطاب الشديد التى كانت تسود الساحة السياسية تحولت إلى مواجهة واضحة بين تيار الإسلام السياسى بقيادة جماعة الإخوان من جانب وكافة القوى الوطنية والسياسية جميعاً على الجانب الآخر. وأقول للرئيس وجماعته، ليس من الحكمة قراءة المشهد بطريقة تقدير الأعداد التى استطاع كل طرف حشدها، وإن كنت أعتقد أن حشود القوى الوطنية المناوئة لكم ستكون أكبر مما تتصورون، وليس من الحكمة إدارة الأزمة باستخدام ما تستطيعون استخدامه من أدوات الدولة، وليس من الحكمة المراوغة أو التفكير فى المزيد من المناورات لاستيعاب الأمة. فالخروج من المتاهة الحالية يلزمه تصور شامل للخروج من أزمة اللجنة التأسيسية وتلزمه حزمة من المبادرات أولاها إلغاء الإعلان الدستورى الأخير، وثانيتها تجميد أعمال الجمعية التأسيسية الحالية، وأن يطلب الرئيس الاجتماع فوراً مع المنسحبين من اللجنة منذ بداية تشكيلها وحتى الآن ساعياً إلى إيجاد توافق مجتمعياً حقيقياً حول الدستور، وثالثتها الإعلان من الآن أن الدستور القادم أياً كان حجم التوافق عليه سيكون دستوراً مؤقتاً لمدة عامين تشكل بعدها لجنة جديدة لإصدار دستور مصر الدائم. ألا هل بلغت، اللهم فاشهد.