كان قرار حجب المواقع الإباحية آخر ما ينتظره كثير من المواطنين فى ظل الظروف القاسية والمتردية التى تمر بها مصر حالياً، وكان من المخزى أيضاً، الأسباب التى أشارت إليها بعض الشخصيات والجمعيات لتبرر غلق هذه المواقع، فالبعض أشار إلى أن تلك المواقع تهدد الأمن القومى والسلام الاجتماعى وتدمر الأسر وتؤدى إلى تفككها، وتناسوا دور التربية الدينية الصحيحة ودور الأسرة فى تربية أبنائهم وزيادة وعيهم بخطورة تلك المواقع عن طريق الفهم وليس عن طريق المنع أو الرقابة، كما أن هناك بديلاً بدأ تطبيقه فى مصر ومنذ عدة سنوات، وهو ما يسمى بنظام «إنترنت الأسرة»، وهى خدمة متاحة ومتوفرة مجاناً لدى جميع شركات تقديم خدمة الإنترنت ويمكن بواسطته منع الدخول إلى المواقع الإباحية. كما أشار آخرون إلى أن هذه المواقع هى السبب الرئيسى فى زيادة معدلات التحرش الجنسى لما تثيره من غرائز، فماذا عن تدنى مستوى التعليم وزيادة نسبة البطالة بشكل كبير؟ ألا يعتبرونها من الأسباب الرئيسية التى تزيد من نسبة التحرش الجنسى، ويجب التنبه إليها، أكثر من المواقع الإباحية؟ ومع أن قرار النائب العام لتنفيذ حكم المحكمة الإدارية حول منع وحجب المواقع الإباحية على الإنترنت فى مصر قرار قضائى يجب احترامه، فإن عملية حجب المواقع الإباحية عملية معقدة للغاية من الناحيتين التقنية والفنية، بالإضافة إلى أن تكاليف الحجب باهظة قد تصل إلى ملايين الدولارات سنوياً، وهذا بسبب وجود مئات البرامج التى يمكنها أن تتخطى حجب المواقع الإباحية، بالإضافة إلى تأثيرها بدرجة كبيرة على كفاءة وسرعة الإنترنت، وذلك لأن التكنولوجيا ليست لها حدود أو تعريف محدد وفى تطور مستمر؛ لذلك فإن هذه العملية تتطلب تكاليف باهظة لإمكانية متابعتها من أجل الاستمرار فى حجبها، وهذا على عكس ما يزعم البعض بأنها ستتكلف 10 ملايين فقط، أليس الشباب العاطل أحق بهذه المبالغ من أجل خلق فرص عمل وزيادة نسبة الإنتاج وبالتالى قلة نسبة التحرش؟ إن فشل تجارب الدول التى اعتمدت على نظام حجب المواقع أكبر دليل على عدم جدوى مثل هذه السياسة، فالأمر يصعب تطبيقه من الناحية التقنية، أما من ناحية المضمون، فهل يمكننا وضع تعريف محدد للمواقع الإباحية؟ وما تعريف الإنترنت النظيف الذى يهدف إليه صاحب الدعوى القضائية؟ فهل يقصد به المواقع الجنسية فقط، أم أنه قد ينطبق على بعض الإبداعات الفنية والثقافية التى قد يرى القائمون على الحجب أنها إباحية؟ وما الجهة التى ستقوم بمراقبة المواقع وتصنيفها بأنها إباحية أو غير إباحية؟ فعلى الرغم من أن القرار قد يهدف إلى المحافظة على شبابنا من التعرض لمواد غير أخلاقية، فإن تطبيقه ليس إلا مضيعة للوقت والجهد والمال، فمن الأفضل تحديد أولويات البلد واستثمار الأموال فى مشاريع تهدف إلى تحسين مستوى التعليم، العمود الفقرى لنهضة أى دولة، وزيادة فرص عمل للشباب وتحسين مستوى المعيشة.