الجالية المصرية في السعودية تواصل التوافد على لجان الانتخاب    نائب رئيس الهيئة البرلمانية للوفد: البرنامج التدريبي لنواب الشيوخ يعزز الأداء التشريعي    نتائج المرحلة الثانية لانتخابات مجلس النواب 2025 في كفر الشيخ    أحزاب القائمة الوطنية تؤكد نزاهة الانتخابات البرلمانية.. وتدعو لاحترام القانون    جمال الدين: المنطقة منصة مثالية للشركات الأمريكية    تغير المناخ والتلوث البلاستيكي يفتتحان الأحداث الجانبية لاجتماعات COP24 بمصر    الهيئة العربية للتصنيع توقع مذكرة للتفاهم مع الصافي جروب    بعفو من ترامب، رئيس هندوراس السابق يغادر السجن بأمريكا    وزير الحرب الأمريكي: لقد بدأنا للتو في ضرب تجار المخدرات    بشكل مفاجئ .. ترامب يصدر عفوا رئاسيا عن رئيس هندوراس السابق    أمم أفريقيا تربك استعدادات أندية الدوري الاسباني    بابا الفاتيكان يطرح أفكاره بشأن المجمع الذي انتخبه ويتناول الروحانية ورحلاته المستقبلية    وزير خارجية ألمانيا: كييف ستضطر إلى تقديم "تنازلات مؤلمة" من أجل السلام    251 شاحنة مساعدات تغادر رفح إلى غزة محملة بالغذاء والدواء والبترول والملابس الشتوية    موقف عمر مرموش، تشكيل مانشستر سيتي أمام فولهام    تشكيل مانشستر سيتي - مرموش بديل.. وثلاثي هجومي أمام فولام    عودة أسينسيو.. ريال مدريد يعلن قائمته لمواجهة أتلتيك بلباو بالدوري الإسباني    تحرير8 محاضر تموينية خلال حملة رقابية مكبرة في الوادي الجديد    أستاذ طب نفسى: طفل من بين ثمانية أطفال يتعرض للتحرش فى العالم (فيديو)    مصر تستعيد قطعتين أثريتين من بلجيكا (صور)    مصر تسترد قطعتين أثريتين من بلجيكا.. صور    كارمن يمثل مصر في المسابقة الرسمية لمهرجان المسرح العربي    تعليق ناري من ماجدة خير الله عن أزمة فيلم الست لمنى زكي    العالمى ستيف بركات على المسرح الكبير    ما حكم المراهنات الإلكترونية؟.. أمين الفتوى يجيب    وصفات طبيعية للتخفيف من آلام المفاصل في الشتاء    برنامج تدريبي لطلاب طب عين شمس بالجامعة الأمريكية في القيادة وإدارة الأعمال    محافظ الأقصر: افتتاحات يومية لمشروعات في كل المجالات خلال ديسمبر    إحلال وتجديد طريق ترعة الرشيدية بالمحمودية بتكلفة 2.7 مليون جنيه    مدرب العراق: أرغب في تحقيق بداية مثالية في بطولة كأس العرب    وزير الري: تنسيق مستمر بين مصر والسنغال في مختلف فعاليات المياه والمناخ    مكتبة مصر العامة تنظم معرض بيع الكتب الشهري بأسعار رمزية يومي 5 و6 ديسمبر    مصر والسعودية توقعان مذكرة تفاهم لتعزيز التعاون بمجالات الأمان النووي والإشعاعي    العثور على مسن ميتا في ظروف غامضة داخل منزله بقنا    الصحة: استراتيجية توطين اللقاحات تساهم في تحقيق الاكتفاء الذاتي    أخطاء في تغذية الأطفال لاعبي الجمباز تؤثر على أدائهم    هزار قلب جريمة.. حقيقة الاعتداء على طالب باستخدام مفك فى الشرقية    موعد صلاه العشاء..... مواقيت الصلاه اليوم الثلاثاء 2ديسمبر 2025 فى المنيا    رمضان عبدالمعز: الإيمان يرفع القدر ويجلب النصر ويثبت العبد في الدنيا والآخرة    متحدث الأوقاف يوضح ل«الشروق» الفارق بين «دولة التلاوة» والمسابقة العالمية ال32 للقرآن الكريم    ماجد الكدواني يواصل التحضير لمسلسل «سنة أولى طلاق»    كأس إيطاليا.. موعد مباراة يوفنتوس ضد أودينيزي والقناة الناقلة    أستاذة جامعية إسرائيلية تُضرب عن الطعام بعد اعتقالها لوصف نتنياهو بالخائن    تشكيل هجومي للكويت أمام منتخب مصر    الأهلي يترقب موقف ييس تورب لدراسة عرض برشلونة لضم حمزة عبد الكريم    صحة الوادى الجديد تنفذ عدد من القوافل الطبية المجانية.. اعرف الأماكن    بالصور.. الوطنية للانتخابات: المرحلة الثانية من انتخابات النواب أجريت وسط متابعة دقيقة لكشف أي مخالفة    الطقس غدا.. انخفاضات درجات الحرارة مستمرة وظاهرة خطيرة بالطرق    تركيا: خطوات لتفعيل وتوسيع اتفاقية التجارة التفضيلية لمجموعة الثماني    لأول مرة في الدراما التلفزيونية محمد سراج يشارك في مسلسل لا ترد ولا تستبدل بطولة أحمد السعدني ودينا الشربيني    أمن المنافذ يضبط 47 قضية متنوعة خلال 24 ساعة    ضبط قضايا اتجار غير مشروع بالنقد الأجنبي خلال 24 ساعة قيمتها 6 ملايين جنيه    تراجع كمية المياه المستخدمة فى رى المحاصيل الزراعية ل37.1 مليار متر مكعب خلال 2024    تحرير 141 مخالفة لمحال لم تلتزم بقرار مجلس الوزراء بالغلق لترشيد الكهرباء    وزير العمل يسلم 25 عقد عمل جديد لوظائف بدولة الإمارات    سلوت: محمد صلاح سيظل لاعبًا محترفًا من الطراز الرفيع    ضبط 379 قضية مواد مخدرة فى حملات أمنية    أدعية الفجر.. اللهم اكتب لنا رزقًا يغنينا عن سؤال غيرك    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.




نشر في الوطن يوم 21 - 11 - 2015

منذ اللحظة الأولى التى سمعت فيها محافظ البحيرة ونائبته يتحدثان للفضائيات حول كارثة غرق محافظة البحيرة، أيقنت أن كبار الموظفين فى مراكز إدكو وكفر الدوار ورشيد ووادى النطرون تمكنوا من خداع الجميع، وعلى رأسهم المحافظ الذى ظل لعدة أيام يتحدث عن محاولات إنقاذ عشرات المزارعين من الموت غرقاً فى «قرية عفونة» التابعة لوادى النطرون، ودفع كل أجهزة الدولة إلى الاعتقاد الخاطئ بأن الكارثة تنحصر فى مجرد قرية صغيرة لا تضم غير عدة بيوت فقيرة جرفتها السيول، وأن الانتهاء من إنقاذ سكان هذه البيوت وتعويضهم بمساكن إيواء ومنحهم عدة آلاف من الجنيهات يضع نهاية معقولة لهذه الكارثة، ويصرف انتباه الجميع عن الفاجعة الحقيقية التى حدثت وما زالت تحدث حتى الآن.
والحقيقة التى أخفاها كبار الموظفين عن المحافظ، هى أن «عفونة» ليست مجرد قرية صغيرة جداً تضم عدة بيوت وعشرات المزارعين، ولكنها منطقة شاسعة تشغل مساحة 36 ألف فدان، بمعنى أن مساحة عفونة وحدها تعادل نصف مساحة القاهرة الجديدة التى تضم التجمع الأول والثالث والخامس ومدينة الرحاب، وأن الطريق الرئيسى الذى يربط هذه المنطقة بطريق العلمين - طريق الأوائل - يمتد إلى مسافة 30 كيلومتراً، وتتفرع منه طرق ومدقات على الجانبين تصل أطوالها إلى نحو 200 كيلومتر، وتتناثر فى أرجائها الشاسعة مئات المزارع الصغيرة التى تتراوح بين 10 أفدنة و100 فدان، بالإضافة إلى عدة مزارع كبيرة تتراوح بين ألف وعدة آلاف من الأفدنة، ولا تخلو مزرعة واحدة من كل هذه المزارع من مسكن ريفى بسيط وحظائر للمواشى والدواجن ومنشآت للمولدات والمحولات والآبار، بالإضافة إلى عشرات المزارع المتوسطة والكبيرة التى تضم بيوتاً سكنية على طراز عمارة المهندس حسن فتحى، التى تتميز بالقباب الرائعة والحدائق المنزلية البسيطة، وتضم بيوتاً للعمال من الطراز ذاته، ومبانى شاسعة عبارة عن محطات فرز وتعبئة لمحاصيل الخضار والفاكهة التى تنتجها هذه المزارع. وحتى تكتمل الصورة لمن يريد أن يعرف، فكل المزارع تقريباً بها جرارات زراعية ومواتير رش مبيدات وسيارات نصف وربع نقل، وشبكات رى ومولدات طاقة وطلمبات تكلفت عشرات الملايين من الجنيهات.
الأهم من كل ذلك بالطبع، أن كل هذ المزارع فاجأها السيل الرهيب ليلة الثلاثاء الماضى وهى فى منتصف موسم جنى محصول الزيتون، وفى بداية عروة جديدة لزراعة العديد من أصناف الخضار، وهو ما يعنى أن هناك آلاف العمال كانوا نائمين فى قلب هذه المزارع المتناثرة عندما انفتحت بوابات السماء وأسقطت أمواجاً عاتية من مياه الأمطار مصحوبة برياح شديدة، راحت تهدم البيوت السكنية وتجرف المواشى والأغنام وتقتلع الأشجار العالية، وبعد نحو 15 دقيقة بالضبط من هذا الجحيم انقطعت الكهرباء فى المزارع الموصولة بخطوط الضغط العالى، وتعطلت كل مولدات الديزل فى المزارع الأخرى، وتحول الليل الدامس إلى بحر من الظلمات، وكلما عثر العمال وأصحاب المزارع على مكان للاختباء، جرفته السيول المنهمرة، وبعد ساعات قليلة مرت كأنها سنوات من هذه الكارثة، انقطعت الاتصالات تماماً بسبب تعطل أبراج التقوية وانقطاع الكهرباء، واختفت كل الطرق والمدقات الفرعية تحت جبال من الكثبان الرملية، حتى الطريق الرئيسى الذى يربط مشروع ال 36 ألف فدان بطريق العلمين - وادى النطرون، اختفى تماماً تحت عدة أمتار من مياه الأمطار والملاحات القريبة والبحيرات الضحلة التى لم تستوعب كل هذه المياه، فاندفعت منها فى سيل جارف أخذ فى طريقه كل شىء.
فى هذه الليلة السوداء قطع بعض عمال المزارع عدة كيلومترات يخوضون فى البرك والمستنقعات تحت وابل رهيب من قصف الأمطار، وعندما طلع نهار الأربعاء الماضى اكتشف المئات منهم أنهم كانوا يسيرون فى الاتجاه الخطأ، فبدأوا رحلة كابوسية أخرى فى البحث عن مدقات سليمة تقودهم إلى أقرب طريق مرصوف، ولولا الخبرة المتراكمة والضمائر الحية لدى أبناء قبائل العرب المنتشرين فى هذه المنطقة، لهلك معظم هؤلاء العمال من الجوع والبرد والإنهاك، فقد تمكن العرب من اقتحام هذه المتاهة الجهنمية على ظهور الجمال، وأنقذوا مئات العمال من الموت المحقق، بينما كان محافظ البحيرة ومعه كل أجهزة الدولة يحصرون اهتمام الجميع فى مساحة لا تزيد على مائتى فدان فقط، ومع ذلك لم يتمكنوا أبداً من الوصول إلى قلب هذه المساحة الصغيرة واكتفوا بالوجود فى غرفة إسعاف صغيرة تقع على بعد 4 كيلومترات من مشارف هذه المساحة الصغيرة.
والذى حدث بعد ذلك، وأخفاه كبار الموظفين عن الجميع، أن كل هذه المزارع بكل ما فيها من معدات ومبانٍ وشبكات رى ورش تعرضت للتخريب الكامل، واقتلع السيل جانباً كبيراً من أشجار هذه المزارع ودمر أكثر من نصف أشجارها وألحق أضراراً فادحة بالنصف الآخر، وضاعت فى هذا الجحيم العاصف آلاف الرؤوس من قطعان الأغنام والمواشى، وحملت السيول آلاف الأطنان من الثمار بعد حصادها وطمرتها تحت رمال الصحراء، وحتى لحظة كتابة هذه السطور لم يتمكن صاحب مزرعة واحدة من الوصول إلى مزرعته ليعرف بالضبط حجم خسائره، لأن كل الطرق الفرعية التى كانت تؤدى إلى هذه المزارع لم يعد لها وجود على الإطلاق.
بعض الذين خرجوا من هذا الجحيم -ومنهم شقيقى محمود البرغوثى- قضوا أكثر من 14 ساعة فى محاولة الخروج إلى أقرب نقطة على طريق العلمين، وخلال الرحلة شاهدوا أهوالاً رهيبة أفظعها الأذرع البشرية المرفوعة لأناس مطمورين تحت الرمال والحيوانات التى تستغيث من الغرق ولا مغيث.. وأقلها كل ملامح النشاط الإنسانى فى تخضير الصحراء وتحويلها إلى جناين مدهشة وقد تحولت إلى خرابات رهيبة. كل هذا والمحافظ ورجاله ما زالوا هناك يبذلون أقصى ما فى وسعهم لصرف الأنظار عن هذه الكارثة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.