أُدرك أن هموم وقضايا التعليم فى بلادى عديدة ومتشعبة، وأننا نحتاج إلى جهود مضنية وعقول مستنيرة، وأموال ضخمة لتطوير المنظومة التعليمية، وقبل كل هذا وذاك توافر الإرادة الحقيقية من الدولة، والإيمان والوعى الكامل بأهمية تلك القضية التى تعد أحد الأسباب الرئيسية لتخلف المجتمع، وتراجع دوره فى صناعة المستقبل، لكن هذا لا يعنى أن نظل نعيش فى غيبوبة، ونترك شبابنا ضحايا سجون الأفكار الهدامة والمفاهيم السقيمة البالية، ونغض الطرف عن أيادى الرجعية، وقلاع الجهل والتشدد التى تشوه عقول التلاميذ وتغرس التطرف فى وجدان ونفوس الأجيال. لذا انتظرت أن أستمع لملامح خطط واستراتيجيات الإصلاح، وأتعرف على رؤى وأفكار التطوير، بعد جلسة الحوار الذى جمع بين وزير التربية والتعليم ومجموعة من الكُتاب ورؤساء تحرير الصحف، لكن ظُنونى ذهبت أدراج الرياح بعد أن تمخض الجبل فولد فأراً، واستحوذت قضية الحضور والغياب على الجلسة، فيما غابت مشكلات خطيرة وقضايا شائكة حذرنا من خطورتها كثيراً حتى ضاقت بنا السبل، ولم يتطرق الحوار من قريب أو بعيد إلى المعلومات الكارثية والحقائق الصادمة التى تناولتها الكاتبة الصحفية إيمان رسلان فى مقالها بجريدة «الشروق»، الذى قدمت من خلاله نماذج من مهازل تطوير مناهج التربية الدينية المقررة على المرحلة الثانوية والمرحلة الابتدائية، وكشفت النقاب عما فعلته أيادى المسئولين الذين أصبغوا بصماتهم على تلك المناهج!! لقد تشكلت اللجان وأنفقت المكافآت وعقدت الاجتماعات، لكن التطوير جاء بما لا تشتهى السفن، وأطاح بآمال كنا ننشدها وننتظرها طويلاً، بعد أن صارت المناهج الجديدة ترسخ فى أذهان شبابنا أن التطرف والإرهاب من الظواهر البشرية، وعلينا ألا نضطرب من التطرف، ولا نفهم خطأ أن بعض المسلمين إرهابيين، لأن التطرف ظاهرة بشرية!! هل رأيتم كيف يكون الخطاب الدينى الصحيح فى المناهج!! ومدى التسامح وتقبّل الآخر فى مدارسنا!! ليس هذا فحسب وإنما وصل قطار التطوير السريع إلى توعية شبابنا بأن المرأة -التى هى نصف المجتمع- عليها أن تكتفى بممارسة وظيفتها الطبيعية كربة بيت، وإذا تبقى لديها الوقت فعليها أن تمارس هوايتها الخلاقة وتقوم بحياكة الملابس، وتطريز المفارش وعمل المربى والحلوى ثم تتقدم بها للأسر المنتجة!! وإذا عملت فعليها أن تبتعد عن الوظائف التى تتزاحم فيها مع الرجال، وتختار الوظائف التى تتلاءم مع طبيعتها وتحفظ لها كرامتها!! والحقيقة أنا لا أعرف عن أى امرأة يتحدثون، عن المرأة المصرية التى حكمت وملكت وتقدمت صفوف الجيوش وتزعمت الثورات، أم المرأة التى اخترعت وأنجزت وطببت؟! المرأة التى شيدت وعلمت وتحررت، أم التى تقلدت المناصب الوزارية وقادت الطائرات وعبرت المحيطات؟! وما يزيد الطين بلّة أن السادة الكرام قادة تغيير وتطوير وإصلاح المناهج قد وضعوا فى الكتب المدرسية الجديدة تساؤلات دون إجابات، ليفتحوا باب الاجتهاد والفتوى على مصراعيه أمام الإخوة والأخوات الذين يلقنون أبناءنا الدروس، كى يتسنى لهم الزج بما يريدون من معلومات وأفكار ومفاهيم، يسممون بها عقول أطفالنا وشبابنا، كل حسب انتماءاته وقناعاته ومعتقداته!! بالله عليكم.. ما تلك القيم والمفاهيم التى تستهدفها عمليات التطوير والتحديث؟! وهل هذا هو الخطاب الوسطى والفكر المعتدل الذى تنشده مراكز تطوير الوزارة ولجانها العظيمة ومستشاروها الأفاضل؟! ماذا نتوقع من هذا المناخ الفكرى المضطرب الذى يواجهه شبابنا فى تلك المرحلة العمرية الحرجة التى تتشكل فيها مفاهيمهم وأفكارهم؟! وكيف يمكن أن نحقق الإصلاح المجتمعى، ونتصدى للعادات والموروثات الثقافية العقيمة، ونُعلى من شأن المرأة ووضعيتها فى المجتمع فى ظل هذه الأفكار والمناهج المتخلفة التى يتلقاها أبناؤنا فى المراحل الدراسية المختلفة؟! يا سادة.. إن تطوير وتحديث المناهج يبدأ بتحرير العقول من سجون الجهل حتى لا يأتى التطوير على طريقة قندهار!!