منذ نحو شهر من الآن تقريباً كان يراد تدبير هدنة إنسانية لمدة 72 ساعة ما بين الأطراف المتنازعة بالسلاح حول مدينة الزبدانى التى كانت إحدى المدن القليلة التى لم يخرج منها سكانها، وهى المدينة الاستراتيجية بالغة الأهمية التى تتحكم جزئياً على الطريق الواصل ما بين دمشق وبيروت، ويقوم الجيش السورى الحر بإدارة معركة عسكرية على الأرض مع ميليشيات حزب الله اللبنانى حول هذه المدينة ليمنع سقوطها فى أيدى الحزب، جلس ليرتب تلك الهدنة المشار إليها مندوبان من إيرانوتركيا ولم يتوصلا إلى شىء بالطبع، واستمر القتال مرة أخرى، تلك الواقعة وأخرى سنوردها حالاً كانتا سبباً مباشراً لأن يلتقط الدب الروسى إشارة بالغة الدلالة بأن نظام بشار الأسد غدا من الهشاشة بأنه غير قادر على حسم معركة مدينة واحدة، فضلاً عن تقييم بوتين كون الإرادة السياسية السورية تنهار من خلال السماح لإيرانوتركيا بالجلوس سوياً من أجل الحديث عن مصير مدينة سورية. الواقعة الثانية سبقت معركة الزبدانى بشهور عندما أجبرت الولاياتالمتحدةتركيا على فتح قاعدة إنجيرليك الاستراتيجية لتستقر هناك أسراب وقوات أمريكية، تحت دعوى أنها مقبلة كى تدير المعركة العسكرية ضد الإرهاب من مركز متقدم وفق رغبة ذكرت حينها بأن الحسم بات مطلوباً بعد تعقد المشهد العراقى والسورى، إعلان كبير وخطوة أمريكية عريضة ربض الدب الروسى فى انتظار حثيث يراقب ضربات الحسم الأمريكية التى من المفترض أن تقلب المعادلات كلياً على الأرض، وطال انتظار الدب من دون أى عمل أمريكى جاد يخرج من القاعدة ولم تتحرك المعادلات خطوة واحدة لا للأمام ولا للخلف، وهنا تحديداً كان القرار الروسى بأنه قد اصطاد اللحظة الحاسمة للدخول بقواته على الأرض السورية فإرادة الفعل خاملة وعاجزة لدى كافة الأطراف، ومعادلات الأرض من وجهة النظر الروسية تسير بالدفع الذاتى نحو طريق واحد هو الانهيار. الدخول الروسى الذى لم يستغرق أسبوعاً وتمركز بداية فى اللاذقية وأتبعه فى طرطوس ثم حزام دمشق حقق ل«بوتين» أول تمركز ناجح وحصد به نقاط نصر عديدة، وجاء الإعلان المعتمد للترويج السياسى والإعلامى بأنه مقبل لمحاربة الإرهاب وخاصة داعش ليحقق ما فشل فيه الآخرون، لكن حقيقة التقدم جاءت وفق لائحة أهداف طويلة أحد بنودها الذى حققت فيه روسيا نصراً سريعاً بمجرد تشكيلها للمشهد الجديد، هذا البند هو تحطيم وإعادة تشكيل أوراق الولاياتالمتحدة فى الإقليم والمقصود بداية كل من تركياوإيران قبل الدخول على باقى الحلفاء المنزعجين بشدة، فى الحالة التركية أطاحت روسيا بكل الخطط العسكرية لأنقرة وأدخلت أردوغان وقياداته فى دوامة عاصفة لم يستفق منها بل ويقف الآن فى مساحة فراغ هائلة لن يستطيع الإجابة فيها عن سؤال تحركاته المقبلة، وعن إيران وجدت روسيا منها خللاً فادحاً فى إدارة مساعدتها للنظام السورى ورصدت فيما بعد الاتفاق النووى هرولة إيرانية ناحية الجانب الأمريكى بعد مشوار طويل من الدعم الروسى لطهران، فكان المطلوب روسياً هو لجم هذا التقارب وجذب إيران ناحيتها بالقوة هذه المرة خاصة أن ملفات الإقليم ما زالت مفتوحة لم يحسم أحدها بعد، ولذلك كانت إزاحتها من قيادة مجموعة المساعدة لنظام بشار والوجود الروسى تفرض إمساكها هى شخصياً بعصا القيادة، وأتبع ذلك فى ذات السياق تشكيل غرفة العمليات الاستخباراتية واختيار العراق مقراً لها وهو مركز لافت يذهب به «بوتين» لمنطقة النفوذ الإيرانى الآخر لينزع القيادة مرة أخرى. الغرفة الروسية للقيادة ليست ذات طابع استخبارى بحت فهى ستدير من خلالها مسرح عمليات هائلاً يمتد من أقصى الشمال الكردى العراقى حتى درعا فى أقصى الجنوب السورى، والتشكيل المفاجئ لها وسحب الأطراف العاملة فيها عنوة كانت سبباً فى تلعثم القيادة الرسمية العراقية فى ردها عن المشاركة من عدمه، وكان أول تعليمات تلك الغرفة بعد ساعات من تشكيلها موجهاً إلى إيران وحزب الله من أجل تجهيز القوات البرية التى ستعمل على الأرض السورية وفق الخطط الروسية المعتمدة.