مقولة بول جوزيف جوبلز 29 أكتوبر 1897 - 1 مايو 1945 وزير الدعاية السياسية فى عهد أدولف هتلر وألمانيا النازية، إحدى أساطير الحرب النفسية وأبرز من وظفوا واستثمروا وسائل الإعلام، صاحب شعار «اكذب حتى يصدقك الناس » غير أنه كان من أنصار مدرسة الكذب الممنهج والمبرمج الذى يعتمد على الترويج لمنهج النازية وتطلعاتها، ويهدف لتحطيم الخصوم من الجانب الآخر وقد أكدت ظاهرة «جوبلز» هذه أن الذى يملك وسائل الإعلام يملك القول الفصل فى الحروب الباردة والساخنة. ولا شك أن وسائل الإعلام المسموع والمقروء والمرئى تُشكل اليوم المصدر الأوحد والأخطر لتشكيل الوعى المصرى، وعلى الرغم من ذلك ما زال غالبية العاملين بالإعلام فاقدى الإدراك بحجم المسئولية الوطنية الملقاة على عاتقهم فى سبيل تصديهم للأمانة الموكل إليهم تنفيذها مع عدم الالتزام بالمعايير المهنية فهم تارة إعلام منافق، غير محايد، وتارة أخرى إعلام مبتز ومعادٍ يحول النقد إلى هجوم غير موضوعى ويتصيد الأخطاء من أجل تحقيق مكاسب تجارية غير عابئ بمشاعر المواطنين والأمن القومى للدولة المصرية. إن مواجهة تحديات الإعلام المصرى أصبحت أمراً لازماً وليست من سبيل الترف فى ظل ما تتعرض له الدولة المصرية من تهديدات داخلية أو خارجية والتحولات السياسية فى منطقة الشرق الأوسط بشكل خاص، إضافة إلى المتغيرات التى فرضت على الواقع الإعلامى وأهمها إدخال المستجدات التقنية وتغول دور الإعلام الخاص واستحواذه على وسائل الإعلام المسموع والمقروء والمرئى المؤثرة وسط غياب الرؤية الإعلامية لاتحاد الإذاعة والتليفزيون ونقص التمويل وعدم التحديث وتشوه الهيكل الإدارى مع ضعف المستوى المهنى للعاملين وزيادة أعدادها بشكل مبالغ فيه وضعف المنتج الإعلامى المصرى فى أغلب الأحوال وافتقاده إلى القوالب المبتكرة التى تسهم فى رفع وعى المواطن المصرى وتعمل على تصحيح السلوكيات. الأمر الذى أدى إلى عجز اتحاد الإذاعة والتليفزيون عن مواجهة التنافس مع القنوات الخاصة والإقليمية مما يستوجب تعديل المسار لما يشكله من أضرار للأمن القومى المصرى، وينبغى معه إعادة النظر فى رؤيتنا للإعلام المصرى، التى يجب أن تتم وفق منظور اقتصادى مكتمل الأركان مع اعتباره أيضاً وعاءً ثقافياً يحمل عدة رسائل تقدم من خلال قوالب إبداعية وفنية بما يمكن الدولة المصرية من استعادة دورها الإقليمى المؤثر. إن تغيير الرؤية هى الركيزة الأساسية لاستعادة ريادة الإعلام المصرى ليكون قوياً وفعالاً باعتباره رأس الحربة للقوة المصرية الناعمة التى تضمن سلامة المجتمع ويمتد تأثير نفوذها إقليمياً. ومن ثم فإن انضباط الرؤية الإعلامية تعد من أهم الخطوات لبناء الدولة المصرية الحديثة والحفاظ على أمنها القومى. إننا اليوم بحاجة ماسة لمجلس أعلى للإعلام المصرى، لا يتبع أية حكومة وغير خاضع لأى سلطة، يتولى تنظيم وتقنين أوضاع الإعلام المصرى، يمثل إعلام الشعب، له ميزانيته وإدارته المستقلة، سياسته التحريرية والإعلامية تهدف لبناء الإنسان المصرى، يعمل على إمداد المواطن المصرى بالمعلومات ويثقفه ويرتقى بفكره، يحافظ على قيم المواطنة والمجتمع المدنى، ينظم ما يبث منعاً للفوضى الفضائية، إعلام يشجع الإبداع والتميز الثقافى، يحترم تعددية الرأى وحرية التعبير مع مراعاة المصلحة العامة للمواطن المصرى، ينشر مبادئ المساواة وعدم التمييز النوعى أو الجنسى، يدافع عن اللغة الوطنية وتأصيلها باعتبارها اللغة الرسمية للدولة ومصدر الحفاظ على الهوية الوطنية والثقافية. إعلام يمثل جمهورية مصر العربية والمجتمع المصرى بكل أقاليمه وفئاته بما يسمح بإدماج المواطن المصرى فى المسار السياسى للدولة، إعلام يشكل حلقة الوصل بين جمهورية مصر العربية والعالم الخارجى. هذا ما ينبغى أن يكون عليه إعلامنا اليوم.