لا أحد يمكنه إنكار ما تواجهه مصر من تحديات عظيمة فى الفترة الحالية لتحقيق طموحات وآمال الشعب، ومستهدفات الدولة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، بدءاً من الوصول بمعدل النمو الاقتصادى إلى مستوى 7٪، ورفع معدل الاستثمار إلى 24٪ من الناتج المحلى، وصولاً إلى خفض معدل البطالة إلى أقل من 10٪، حسب خطة التنمية الاقتصادية والاجتماعية متوسطة المدى التى تنتهى بنهاية العام المالى 2018 - 2019. فى المقابل، لا يزال الاقتصاد يعانى من فجوة بين معدلى الادخار والاستثمار بلغت 8.4% فى الأشهر التسعة الأولى من العام المالى 2014 - 2015، وارتفعت إلى 11% فى الربع الثالث من العام المالى نفسه، وهو ما لا يلبى الاحتياجات التمويلية لتطلعاتنا نحو المستقبل. تلك الإشكالية تدفعنا إلى دمج الاقتصاد غير الرسمى فى المنظومة الرسمية، ومضاعفة معدلات الادخار، فى إطار تحقيق «الشمول المالى»، الذى ينطلق من توسيع قاعدة المتعاملين مع الجهاز المصرفى وتمكين ذوى الدخل المحدود من الاستفادة من جميع الخدمات المالية. الأمر يتحقق عبر محورين أساسيين، الأول: تعزيز ثقافة المجتمع بالخدمات المالية والمصرفية وتوفيرها بتكلفة معقولة وعائد مجزٍ، للاستفادة من مدخرات المواطنين وتعبئتها لتمويل الاستثمار، خاصة أن عدد حسابات عملاء البنوك لم تتجاوز 10 ملايين حساب، مقارنة بنحو 50 مليون مواطن لهم حق التصويت الانتخابى، والثانى: خلق الحاجة إلى التعامل المصرفى عبر تحويل المدفوعات الحكومية بالكامل إلى إلكترونية، بدلاً من «الكاش»، كخطوة أولى. لا شك أن الجهاز المصرفى المصرى يسعى جاهداً لتعزيز الشمول المالى، يستند فى ذلك إلى ما يمتلكه من بنية تحتية وتكنولوجية وخبرات، بعض الجهات الحكومية هى الأخرى تعمل على تعزيز المدفوعات الإلكترونية، التى بدأت بصرف رواتب العاملين بالدولة من خلال ماكينات الصراف الآلى، وتسوية المدفوعات الضريبية والجمركية إلكترونياً، لكن الواقع يقول إن الموظفين وأصحاب المعاشات يقفون طوابير طويلة مطلع كل شهر لصرف المرتبات كاملة «كاش»، ببساطة لأن كل مدفوعاته اليومية، بما فيها الحكومية، لا تعرف طريقاً آخر، هنا يمكننا القول إن تلك الجهود لم ترتقِ إلى مرحلة النضج بعد. لنا فى تمويل مشروع قناة السويس الجديدة أسوة حسنة، جمعت 64 مليار جنيه، منها 27 ملياراً من خارج البنوك «تحت البلاطة»، ذلك لأنه مشروع قومى بمبادرة من رئيس الجمهورية، وحقق للمواطنين عائداً مرتفعاً على مدخراتهم. تعاملات «الكاش» ممر رئيسى للفساد والأموال المشبوهة والنصب على المواطنين.. سيادة الرئيس عبدالفتاح السيسى الأمر يحتاج إلى توحيد الجهود، تحت راية مشروع قومى لتعزيز الشمول المالى، تضم الجهات المعنية كافة، وفقاً لجدول زمنى محدد، بدءاً من تنمية الثقافة المالية فى مراحل الدراسة المختلفة، وصولاً إلى مجتمع لا يتعامل ب«الكاش».