تسائل أهالي الأطفال الذين قُتلوا في غارات الطيران الإسرائيلي على غزة، وهم يحملون جثثهم داخل مشرحة مستشفى الشفاء: "هل يُطلق هؤلاء الصواريخ؟"، لإثبات الحجة الواهية وراء الهدف المعلن للغارات الإسرائيلية، وهو وقف إطلاق الصواريخ من القطاع. وقُتل ما لا يقل عن 18 طفلا، بحسب حصيلة موقتة من 116 قتيلا في الإجمال، إضافة إلى مئات الجرحى منذ بدء الضربات الإسرائيلية على قطاع غزة، الأربعاء الماضي، وفق المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان. ومن بين هؤلاء الأطفال تسنيم النحال، الفتاة البالغة 13 عاما، والتي قضت الاثنين ضحية غارة جوية فيما كانت تلعب أمام منزلها في مخيم الشاطئ للاجئين الفلسطينيين، المحاذي للبحر المتوسط بشمال القطاع. وغيرها، جمال وسارة ويوسف وإبراهيم الدلو، أربعة أطفال من عائلة واحدة مؤلفة من تسعة أشخاص، لفظوا أنفاسهم الأخيرة أول أمس بعد تدمير منزلهم جراء غارة في أحد الأحياء الشمالية في مدينة غزة. وأثناء تشييع الجثامين، لُفَّتْ جثث الأطفال بالعلم الوطني الفلسطيني ولم يُترك سوى الوجه مكشوفا، وحولهم تدافع صبية آخرون محاولين رؤية الجثامين الصغيرة. وتستهدف العملية العسكرية الإسرائيلية "عمود السحاب"، التي أطلقت قبل أسبوع، بحسب الجيش الإسرائيلي، "المنظمات الإرهابية في غزة، حماس والجهاد الإسلامي ومجموعات أخرى"، لكن صور الأطفال المغطين بالدماء والمرعوبين تبعث برسالة أخرى إلى الفلسطينيين. فالخسائر البشرية في صفوف المدنيين، التي ترتفع باضطراد وبشكل محتوم مع استمرار الهجوم، قد تنال من الدعم الأمريكي والأوروبي الذي تحظى به إسرائيل حتى الأن، بحسب معلقين إسرائيليين. وفضلا عن القتلى والجرحى، يعاني مئات من أطفال غزة من حالة الصدمة كما يؤكد أطباء نفسيون، مثل الخوف من أن يُتركوا وحيدين واضطرابات في النوم وعدائية مفرطة أو مشاكل في التواصل. ومن هؤلاء محمد رضوان، الصبي البالغ 12 عاما، الذي يركض ليختبئ تحت وسادات الكنبة أو يسرع للاحتماء في أحضان أمه في كل مرة يسمع فيها دوي انفجار. وفي زمن الحرب "كل ما يمكن أن يساعد الراشدين (خبرة أو شبكات تواصل اجتماعي) لا ينفع مع الأطفال"، كما أكد الطبيب النفساني حسن زيادة، الذي يعمل منذ 1991 ضمن برنامج غزة للصحة النفسية. ومع عملية "عمود السحاب" يعيش كثير من أطفال غزة حربهم الثانية. ففي ديسمبر 2008 - يناير 2009 شنت إسرائيل هجوما دمويا مدمرا على قطاع غزة تحت اسم عملية "الرصاص المصبوب"، حصدت نحو 1400 قتيل فلسطيني أغلبهم من المدنيين، إضافة إلى ما خلفته من دمار كبير. وقال زيادة: "سيعيشون من جديد تحت وقع العديد من الصدمات التي سبق ومروا بها في ماضٍ قريب". ويهدف برنامج زيادة إلى تعبئة فرق متخصصة لمساعدة الأطفال نفسيا عندما تنتهي دوامة العنف هذه. وأضاف: "لكن المشكلة في غزة هي أننا نعيش في شكل دائم تحت ضغط نفسي بمستوى عالٍ، وأن حالة الصدمة متواصلة. وطبعا لا أحد يستطيع ضمان عدم تكرار ذلك".