الأسد والصياد خرج باحثاً عن طعامه، بعد أن مرضت اللبؤة. وجد ثعلباً، لكنه لم يقترب منه، حين اختار الثعلب أن يلعب دور الميت، وتمدد على الأرض دون حركة. لا يزال الأسد يحافظ على أخلاقه، فلا يأكل الجيف، ولا زال يحافظ على وضاعته، حين يطارد غزالاً صغيراً، يختاره بعناية وسط القطيع، قبل أن يفترسه، ويحرق قلب أمه عليه. يبحث الأسد عن ضالته الآن. يقترب منها غير عابئ بما سوف يحدث لها ولذويها. يدرك الأسد أنه لا مشاعر لدى ضحاياه. يدرك الأسد أنهم جميعاً حيوانات. يقترب ويقترب، وفى اللحظة التى قرر فيها الهجوم. اللحظة التى استعد فيها للقفز على فريسته، ناوياً غرس أنيابه. اللحظة التى نظرت له الفريسة فى عينيه مباشرة، مدركة، الآن فقط، ما سيحدث معها. انطلقت رصاصة، أردت الأسد قتيلاً. نسى الأسد أنه هو الآخر حيوان، وتذكر تلك الحقيقة صياد ماهر، أقبل على الأسد الملطخ فى دمائه بزهو وفخر، ولم يكن يدرك بدوره أن أسداً آخر ينقض عليه من الخلف، فى نفس اللحظة. رائحة الألم بارود يزكم الأنوف راحت تنتشر رائحته. الدماء تملأ المكان، والدخان يحجب الرؤية عن الجميع، والموت يلهو مستمتعاً بالأمر، ومن بين كل هذا لمحته. كان فزعاً، مرعوباً، متطلعاً لما يحدث حوله فى ذهول، وقد تناثرت الجثث، وصوت الأنين يغلب هدير المروحيات، بينما الطفل يبكى، بعد إلقاء القنبلة الأخيرة. وكانت الكاميرا فى يدى، ووجدتنى أتخذ القرار سريعاً. رحت ألتقط له الصورة تلو الأخرى، وأصوات الانفجارات من حولنا تتوالى، وتتوالى، والطفل يصرخ، وهو ينظر حوله فى ذعر، وقد بال على نفسه ذعراً، وأنا أواصل التصوير، وأواصل وأواصل، قبل أن تأتى القنبلة الأخيرة، التى انفجرت بالقرب منى، لتطيح شظاياها بقدمى اليمنى، وأصرخ وقد سقطت على ظهرى، وأنا أتشبث بالكاميرا. أنظر للسماء، التى امتلأت بالدخان الكثيف، والطائرات تبتعد، فيما يبدو أنه إيذان بانتهاء الغارة. أتطلع للكاميرا، فأجدها مكسورة فى يدى. أحاول استخراج كارت الذاكرة، الذى يحوى الصور الأخيرة، فلا أجده. أحاول النهوض، وقد ملأت الدماء سروالى. بلت على نفسى ذعراً. ومن بعيد رأيته. كان حياً سليماً معافى، لم يتأثر بأى انفجار، ثم إنه اقترب منى، ومد يده لى، كى يساعدنى على النهوض، وقد توقف عن البكاء، بينما لم أمد له يدى، ولم أستطع أن أمنع نفسى من البكاء، وبمنتهى الألم.