أعتقد أن العقل السياسى المصرى -هذه المرة- تحت اختبار عسير وقاسٍ لمعرفة قدرته على إدارة الأزمة الحالية الناتجة عن الأعمال الإجرامية التى يقوم بها جيش الاحتلال الإسرائيلى ضد شعبنا الفلسطينى فى غزة. وإذا كان «الظاهر» على مسرح الأحداث أن الهجوم على غزة مستهدفٌ قيادات «حماس»، فإننى أستطيع أن أؤكد أن «الباطن» الحقيقى هو تهديد الأمن القومى المصرى وتهديد التراب الوطنى فى سيناء. القصة كما يقولون ليست «مَن تضرب» ولكن هى من تقصد بالضربة؟ السيناريو الإسرائيلى المستهدف قديم يتجدد، وهو إعادة القنبلة البشرية المسماة بغزة إلى السيادة المصرية والتخلص منها إلى الأبد على حساب صحراء ممتدة وفاصلة فى سيناء المصرية! غزة تعتبر أكبر تكدس سكانى ديموغرافى فى العالم بمعنى «تجمع عدد السكان فى كيلو متر واحد». لدينا 1٫6 مليون نسمة بلا موارد، ولا إمكانية لمد أوصال جغرافية داخل فلسطين والمتاح الجغرافى الوحيد للامتداد هو عبر 13٫6 كيلو متر من الحدود مع مصر. إذن، نحن نتحدث عن بوابة جغرافية لغزة مع مصر تبلغ 14 كيلو متراً فقط، ذلك هو المنفذ الضيق والوحيد لسكان غزة. يعتمد السيناريو الإسرائيلى على القيام بعمليات جوية مركزة على التجمعات السكانية والاستمرار فى قصف مدفعى ثقيل طويل المدى للسكان الآمنين واستمرار الحصار والقصف البحرى عبر السواحل بحيث تتحول غزة إلى قطعة من الجحيم التى تدفع سكانها إلى البحث عن منفذ للفرار. منفذ الفرار مستحيل بحرياً، ومستحيل جوياً، ومستحيل برياً إذا كان فى اتجاه الضفة. إذن، أين سيكون منفذ الفرار وإلى أين ستكون نقطة النزوح الجماعى المتخيلة فى السيناريو الإسرائيلى؟ ستكون سيناء! هنا تأتى نقطة الاختبار فى إدارة الصراع المصرى للإجابة عن 3 أسئلة رئيسية: 1- كيف سندير الأزمة الآن لمنع تحقق السيناريو الإسرائيلى؟ 2- هل لدينا خطة طوارئ للتعامل مع حالة النزوح الجماعى؟ 3- ما الموقف الاستراتيجى الثابت بالنسبة لتحويل جزء من سيناء كوطن بديل للفلسطينيين؟ كل ذلك يتم فى وضع شديد التعقيد داخل سيناء وفى ظل امتدادات قبلية وتنظيمية فوق الأنفاق ومن داخلها. والآتى أخطر وأعظم.