وعدنا السيد وزير العدل بزلزال تشريعى وخص بالتحديد قانون الإجراءات الجنائية، وهذا القانون فى الحقيقة يعد الأساس الذى تقوم عليه المحاكمات الجنائية فى مصر، سواء فى الجنح والمخالفات أو فى الجنايات، ويعد القانون الأساسى لضمان المحاكمة العادلة والمنصفة، ويحدد إجراءات ضبط الجريمة وتحريز المضبوطات المتعلقة بارتكاب الجريمة، ويحدد معايير شرعية الدليل الفنى أو القولى، وإجراءات المعاينة والتفتيش لشخص المتهم أو منزله أو مكتبه، وقواعد الاستدلال والتحقيق والاستجوابات، وسلطات النيابة وقاضى التحقيق، ويترتب على عدم اتباع هذه الإجراءات بطلان الإجراء وبطلان الدليل المستمد منه، وينظم القانون القواعد الخاصة بالمحاكمة وحقوق الدفاع فى الاطلاع ومناقشة الشهود واستدعاء شهود النفى ومناقشة الخبراء والتقارير الفنية، وقواعد الطعن على الأحكام بالمعارضة والاستئناف. وهذا القانون فى الحقيقة يحتاج فعلاً إلى المراجعة والتعديل، وذلك من أجل تعزيز قواعد وضمانات المحاكمة العادلة وفقاً للتطورات التى أدخلت على أغلب قوانين الإجراءات فى أغلب الدول، ولأن قانون الإجراءات المصرى فى حاجة فعلاً إلى التطوير وضمان أن تكون المحاكمات الجنائية فى مصر تضمن حقوقاً أساسية للمتهم وليس الانتقاص من هذه الحقوق. أهم تعديل مطلوب هو فصل سلطة الاتهام عن سلطة التحقيق، حيث تجمع النيابة العامة الآن هاتين السلطتين، رغم أن النيابة فى الحقيقة تمثل السلطة التنفيذية فى كل النظم القضائية، فصل سلطة التحقيق عن سلطة الاتهام هى ضمانة مهمة وكانت موجودة فعلاً فى قانون الإجراءات فى باب كامل تحت عنوان قاضى التحقيق، وهو الذى تم إلغاؤه أو تعطيله بعد ثورة يوليو 52 لأسباب لا يتسع المجال هنا لذكرها، وتجمع الآن النيابة العامة سلطتى التحقيق والاتهام، فقد كان يجرى التحقيق قاضٍ مستقل، ثم بعد الانتهاء من التحقيق تحال القضية وأوراقها والمتهم إلى مستشار الإحالة الذى يحدد إذا كانت الأدلة كافية لإحالة القضية إلى المحكمة أم يكون حرياً به أن يحفظ التحقيق. التعديل الثانى وهو الأهم تطوير أساليب الإعلانات بالقضايا والجلسات التى تتسبب فى إصدار أحكام غيابية بالملايين فى حق المواطنين، لم يكونوا يعلمون عنها شيئاً وأظن بعد تطور التكنولوجيا أن نجد حلولاً لإعلام المتهم بالقضايا والجلسات والأحكام، لكى يتمكن من الطعن عليها بأشكال الطعن المختلفة. التعديل الثالث والأهم فى الحقيقة هو تحقيق مبدأ المحاكمة على درجتين، وهذا فى محكمة الجنايات، وقد أقر الدستور المصرى هذا المبدأ مؤخراً، إلا أنه أعطى مهلة 10 سنوات للتنفيذ، إلا أن الحاجة تتطلب أن يتم تعديل قانون الإجراءات بفصل حول استئناف أحكام الجنايات، الأمر الذى سيُخفف العبء على محكمة النقض، وفى هذه الحالة يمكن تعديل قانون محكمة النقض، بحيث تنظر المحكمة فى الطعن إذا كان مقبولاً شكلاً وموضوعاً، تتصيد المحكمة للموضوع مرة واحدة. الأمر الأخير الذى تأخرنا فيه كثيراً هو ميكنة العمل فى المحاكم وتحديثها وإدخال أجهزة الكمبيوتر على المنصة والتسجيل لكل إجراءات المحاكمة واستبدال كتابة محضر الجلسة يدوياً بالتسجيل الإلكترونى الذى يمكن تحويله فوراً إلى سجل مكتوب، وكذلك رفع الدعوى واستخراج صور من الأوراق والمحاضر، هذا هو الزلزال الذى نريده وليس سحب ضمانات المحاكمة العادلة والمنصفة أو تقيد حق الدفاع فى استدعاء ومناقشة الشهود، فللمحاكمات الجنائية أصول متعارف عليها فى كل الأنظمة القضائية يجب ألا تنتقص فى قانون الإجراءات المصرى.