قالت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، إن التعديلات الأخيرة لقانون الإجراءات الجنائية المصري، التي صدرت بمرسومٍ بقانونٍ من الرئيس عبد الفتاح السيسي في نوفمبر، قامت بإدخال بعض التحسينات، ولكنها ليست حلًّا سحريًّا لإصلاح نظام العدالة الجنائية المصري الذي تشوبه عيوب جسيمة. وأوضحت في بيان لها، أن استخدام الحبس الاحتياطي المطول، وطول مدد التحقيقات الجنائية من جانب الحكومة المصرية، أصبح محل انتقاد العديد من المراقبين، بما في ذلك ما جاء في أثناء الاستعراض الدوري الشامل للسجل الحقوقي المصري في 5 نوفمبر. وأضافت أنه في 11 نوفمبر أصدر الرئيس عبد الفتاح السيسي القانون رقم 138 لسنة 2014 الذي يُعَدِّل قانون الإجراءات الجنائية، فيفرض حدًّا زمنيا على قضاة التحقيق الذين يتولون قضايا الجنح أو الجنايات. وقد اعتبر البعض أن هذا القانون يمثل تطورًا إيجابيًّا بالنظر إلى الطول المفرِط لفترات استكمال التحقيقات الجنائية، وتطاول مدد الحبس الاحتياطي للمتهمين في القضايا ذات الطبيعة السياسية. ولفت البيان إلى أنه بالرغم من ذلك فإن إمعان النظر في التغييرات والممارسات المستمرة، يلقي بظلال الشك على النتائج الإيجابية المحتملة لهذه التغييرات.
وطرحت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية في بيانها مجموعة من الأسئلة والأجوبة التي أعدتها لشرح التعديلات ومعناها في الممارسة الفعلية، موضحة أنها لا تنطبق إلا على التحقيقات التي تتم بمعرفة قضاة التحقيق، وليس لها أثر في طول مدد الحبس الاحتياطي.
وأكدت في بيانها، أن هذه الأسئلة وإجاباتها تأتي بهدف إيجاد تفسير لهذه التعديلات وأثرها المحسوس في التحقيقات الجارية والقضايا الجنائية وتساءلت: ما التعديلات الجوهرية التي طرأت على قانون الإجراءات الجنائية بموجب القانون 138 لسنة 2014؟
قبل التعديلات لم يكن قضاة التحقيق ملزمين باستكمال التحقيقات في قضايا الجنايات أو الجنح ضمن إطار زمني محدد، أما الآن فإن المادة 66 تنص على ضرورة انتهاء قضاة التحقيق من تحقيقاتهم في غضون ستة أشهر ما لم تتطلب مقتضيات التحقيق غير ذلك، وفي تلك الحالة يجوز للجمعية العامة للمحكمة الابتدائية، التي تضم جميع القضاة العاملين في المحكمة المختصة، تمديد التحقيق لستة أشهر أخرى، وإذا أخفق القاضي في إنجاز التحقيق خلال الشهور الستة الأولى دون مبرر أو ارتأت الجمعية العامة للمحكمة أن شروط التمديد غير قائمة، فإن لها أن تنتدب قاضيًا آخر لاستكمال التحقيق، وتتمتع الجمعية العامة للمحكمة بسلطة تقديرية كبيرة عند البت في مدى احتياج التحقيقات إلى مزيد من الوقت، حيث لا توجد مقاييس أو معايير واضحة ينص عليه القانون، ومؤدى هذا كله، أن التحقيقات التي يجريها القضاة من الممكن استمرارها سنة كاملة وهو تغيير إيجابي، حيث إن التحقيقات التي يجريها القضاة كان يمكن قبل التعديلات أن تستمر بدون أجل مسمى.
وتابعت المبادرة في بيانها عن كيف تحال القضايا إلى قضاة التحقيق؟
في أعقاب التعديلات التي أدخلها القانون 138 لسنة 2014، فيجوز للنيابة العامة أو وزير العدل أن يطلب من المحكمة الابتدائية المختصة انتداب أحد القضاة للتحقيق في قضية جنائية محددة (وهو الدور الذي تقوم به النيابة العامة عادة)، وعندئذ تتخذ الجمعية العامة للمحكمة قرارا في بداية السنة القضائية (أكتوبر) لانتداب قضاة التحقيق، ولحين اتخاذ القرار، تواصل النيابة العامة التحقيق في القضية، كما تملك النيابة العامة صلاحية طلب إحالة التحقيق إلى قاضي تحقيق في أي مرحلة من مراحله وقبل التعديلات الأخيرة، كانت سلطة الرد على طلب النيابة العامة أو وزير العدل في يد رئيس المحكمة وليس جمعيتها العامة بكامل هيئتها. كما أن القانون لم ينص فيما سبق على ضرورة اتخاذ القرار في بداية السنة القضائية، ما يثير بواعث القلق من تعذر إحالة القضايا إلى قاضي تحقيق عدا مرة واحدة سنويا.
وأشارت المبادرة إلى أنه يجوز للمتهمين والمدعين بالحق المدني أيضا طلب إحالة القضايا إلى قضاة تحقيق، إلا إذا كانت الدعوى ضد ضباط الأمن أو غيرهم من المسئولين العموميين لجرائم مرتكبة في أثناء قيامهم بعملهم، وهذا الاستثناء القائم من قبل التعديلات الأخيرة ومن بعدها يوفر طبقة إضافية من الحصانة للمسئولين العموميين، مما يقلص حقوق الضحايا. وتساءلت: "هل تمتلك التحقيقات التي يجريها قضاة التحقيق فرصة أعلى في التدقيق والحيدة والاستقلال، بما توفره النيابة العامة؟ نعم، من حيث المبدأ، ولطالما أيدت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية الفصل بين وظيفتي التحقيق والادعاء، الموكولتين حاليا إلى النيابة العامة بحسب قانون الإجراءات الجنائية والدستور المصري. إن الجمع بين هذين الدورين يقوض الحياد المفترض في تقصي الحقائق، حيث ينشأ لدى أفراد النيابة تضارب واضح في المصالح عند أداء دور ممثل الادعاء الذي يقاضي المتهمين، علاوة على دور المحقق المسئول في جمع جميع الأدلة، إن كانت ضد أو في صالح المشتبه بهم في القضية. ويتم تلفي هذا القصور عند إجراء التحقيقات بواسطة قضاة التحقيق، بينما تختص النيابة العامة باتخاذ قرارات الادعاء. كما يتمتع القضاة بضمانات للاستقلال تفوق ما يتمتع به أفراد النيابة ومع ذلك فقد أظهرت الممارسة خلال السنوات القليلة الماضية أن التحقيقات التي أجراها قضاة التحقيق لم تلب دائما توقعات الضحايا والمحامين والعاملين في المجال الحقوقي من حيث التدقيق والاستقلال والحيدة الظاهرة.
وأوضح البيان، أنه على سبيل المثال تم تكليف أحد القضاة بالتحقيق في مقتل نحو 50 متظاهرا في أثناء اشتباكات مجلس الوزراء في ديسمبر 2011، إلا أن التحقيقات ما زالت جارية حتى اليوم بدون إحالة أي فرد من قوات الأمن إلى المحاكمة أو إدانته وحتى يتمكن قضاة التحقيق من أداء دورهم بفاعلية فمن الضروري أن يحصلوا على التدريب المناسب بشأن كيفية إجراء التحقيقات، بما في ذلك التعامل مع مزاعم الإساءة بأيدي مسئولين عموميين، حيث إن القضاة المنتدبين يكونون في أحيان كثيرة من قضاة المنصة الذين قضوا مددًا طويلة بغير الأدوات اللازمة لإجراء تحقيقات جنائية، ومنها جمع الأدلة ومضاهاتها، واستجواب الشهود وضمان سلمتهم، وانتداب الخبراء المختصين للتحقق من صحة الأدلة.
وأشار البيان إلى سؤال آخر هل تعني التعديلات الأخيرة تقصير مدد الحبس الاحتياطي؟
كلا، فهذه التعديلات تتطرق إلى الحبس الاحتياطي بأي حال من الأحوال، وترد أحكام الحبس الاحتياطي في المادة 143 من قانون الإجراءات الجنائية، التي تحدده بستة أشهر في الجنح و18 شهرا في الجنايات، وسنتين في الجنايات التي تقررت لها عقوبة السجن المؤبد أو الإعدام، ويمتد الحبس الاحتياطي بدون أجل مسمى في القضايا التي صدر فيها حكم بالسجن المؤبد أو الإعدام من محكمة جنايات، ثم تم طعن على القضية أمام محكمة النقض، حتى في حالة قبول محكمة النقض للطعن وإعادة المحاكمة. وتابع البيان: هل تتم حاليا أية تحقيقات في قضايا من التي تعتبر سياسية بمعرفة قضاة تحقيق؟ على حد علم المبادرة، لا، والقضايا التي تتابعها المبادرة، بما فيها قضايا قادة الإخوان ومؤيديهم، وقضايا النشطاء المتهمين بخرق قانون التظاهر، تخضع كلها للتحقيق بمعرفة النيابة العامة أو النيابة العسكرية أو نيابة أمن الدولة. وأضاف البيان: هل ينص القانون على أية حدود زمنية للقضايا التي تحقق فيها النيابة العامة؟
كلا، فالقانون حتى الآن لا يفرض أي حدود على مدد التحقيقات التي تجريها النيابة العامة، ورغم تحبيذ إحالة القضايا إلى المحاكمة خلال 3 أشهر للجنح و5 أشهر للجنايات، بموجب المادة 143 من قانون الإجراءات الجنائية، إلا أن القانون يخلو من أي إلزام محدد على أفراد النيابة لإنجاز التحقيقات، والواقع هو أن أفراد النيابة يتمتعون بسلطة تقديرية واسعة، وقد تستمر بعض التحقيقات لسنوات. واستكمل البيان قائلا: هل هناك من يشرف على أعمال قضاة التحقيق؟
يخضع قضاة التحقيق لنفس القواعد والمواثيق السلوكية التي يخضع لها سائر القضاة، إلا أنهم يخضعون في أداء هذا الدور للإشراف الإداري للجمعية العمومية للمحكمة التي انتدبتهم لإجراء التحقيق، والتي تتولى التأكد من انتهاء تحقيقاتهم في موعدها، وقبل هذا التعديل الأخير، كان ذلك الدور يقتصر على رئيس المحكمة.
وقال البيان ما مصير هذا القانون بعد انعقاد البرلمان؟
ينبغي لجميع القوانين التي أصدرها رئيس الجمهورية في غياب البرلمان، مثل القانون 138 لسنة 2014، أن تخضع للمراجعة في غضون 15 يوما من انعقاد البرلمان الجديد، ويعني هذا بالممارسة أن البرلمان الجديد سيتاح له القليل من الوقت لمناقشة كل التشريعات الممررة منذ حل سابقه، مما يجعل هذه التشريعات دائمة عمليا، ولهذا السبب نص الدستور على أن تكون التشريعات الممررة في غياب البرلمان ذات طبيعة استثنائية.