المتابع لمسار الأحداث فى العالم العربى خلال السنوات القليلة الماضية لن يداخله شك بأن مصر كانت وما زالت وستظل المحروسة بفضل الله ورعايته وعنايته. لقد أحاط بالبلاد مؤامرات هائلة ومتعددة ومتشابكة، مدعومة بالمال والسلاح والرجال والعملاء والإعلام المضلل. كل شىء كان متاحاً ومباحاً لهدم وتدمير المحروسة، وببجاحة وانكشافية لم نرَها من قبل، وسفالة وبلطجة أصبحت ظاهرة تنتقل كالفيروس الوبائى. وفى وسط هذا الخضم من الصراعات والأمواج العاتية من إرهاب وفقر وتنطّع وطابور خامس، لم يكن هناك أمل إلا فى الله سبحانه وتعالى الذى حفظ جيش الكنانة، واختار الشعب قائد الجيش المشير عبدالفتاح السيسى، اختاره منقذاً قبل أن يكون رئيساً. وكان السيسى عند حسن ظن الشعب به، وقاد السفينة المصرية باقتدار فى هذه الأجواء الصعبة والتحديات الكبيرة، ولم يسمح ولو للحظة بالمساس بكرامة مصر أو سيادتها، ولم ينحنِ أمام الغرب وتحدى الحظر الذى فرضته الولاياتالمتحدةالأمريكية وأوروبا على المعونات المالية والعسكرية، وتحمّل هجوماً إعلامياً ضارياً، وتقارب بحرفية عالية مع روسيا والصين، وعقد صفقات سلاح مؤثرة معهما، ثمّ تقارب مع فرنسا وعقد معها واحدة من أكبر الصفقات العسكرية، وتلتها ألمانيا بصفقات عسكرية وتجارية. وأخذ السيسى مواقف وطنية حتى مع أعز الأشقاء فى الخليج الذين دعّمونا وساندونا بكل حب وقوة، فلم يتنازل السيسى عن الرؤية والثوابت المصرية فى محاربة الإرهاب، بالرغم مما سببه ذلك من بعض التباين بيننا وبين الأشقاء. هذه المواقف الشجاعة والقوية للرئيس السيسى لا تجعلنى أستوعب أو أفهم مواقفه من أزمة سد النهضة. لا أفهم كيف نتحدى أمريكا وأوروبا ونرفض إملاءاتهما ومطالبهما، بينما نتراجع ونتنازل عن حقوقنا وأدنى مطالبنا العادلة أمام إثيوبيا. وكلّما تحدثت مع مسئولين فى وزارة الرى يقولون «إن الوزارة ترفع مذكرات إلى الرئاسة وتشرح آثار السد المدمرة، وإن مسار المباحثات غير مُرضٍ وملىء بالعقبات، وإن إثيوبيا تستهلك الوقت بالمماطلات، ولكن الرئيس هو الذى يأمر بالاستمرار فى المسار نفسه». ومش بعيد بكره أن يقولوا «إن الريس هو اللى عمل إعلان المبادئ وضغط على الوزارة علشان تقبله». الحقيقة ياريس أننى لا أرى لك أى بصمة واضحة فى إدارة الملف أو فى قراراته الاستراتيجية، وسايب الملف لشوية موظفين فى الخارجية والرى وفى الآخر انتهينا بإعلان مبادئ اعترفنا فيه بالسد، ووافقنا ضمنياً على سعة السد، واعترفنا بحق إثيوبيا فى حصة مائية من النيل الأزرق وذلك لأول مرة على مدار تاريخ مصر الحديث والقديم. ووافقنا على الحق المطلق لإثيوبيا فى استخدام مياه السد فى الكهرباء والزراعة والشرب والصناعة. والعيب مش على شوية الموظفين دول؛ أنت يا ريس المسئول الأول والأخير عن مصر ومصالحها. دى الأيام اللى بيقول عليها الفشلة والحقدة بأيام التكبر والصلف والتعنت، كانت هناك لجنة قانونية فنية تجتمع أسبوعياً برئاستى ويحضرها ممثلو الخارجية والتعاون الدولى والمخابرات والقوات المسلحة والرى وعدد من أكبر أساتذة القانون الدولى فى مصر. وكان الكل يناقش ويقيّم ويراجع ويصحح قبل الموافقة على فكرة أو وثيقة. وكانت اللجنة الفنية القانونية لا ترفع أى وثيقة للقيادة السياسية إلا بعد مراجعة وموافقة كل الجهات المشاركة، وبعد أن أقوم بإرسالها إلى خبير بريطانى فى القانون الدولى للمراجعة والمناقشة والتصويب. ده أهم ملف فى مصر يا ريس ويمس حياة تسعين مليون مصرى، والموظفون فى الأيام البيضاء دى بقوا بعافية جامد، ومش عيب نستعين بخبير ولّا اثنين أجانب فى القانون وهندسة السدود. وهل تساءلت يا ريس ماذا استفادت مصر من بيان المبادئ أو بيان النوايا الحسنة، والمشاوير للسودان وإثيوبيا. الحقيقة النوايا الإثيوبية (غير الحسنة) كانت واضحة جداً، فقد بدأت إنشاء خمسة سدود إثيوبية أخرى على حوض النيل، سدين على نهر البارو وواحد على نهر ديديسا وواحد على نهر دابوس وواحد على نهر عطبرة. والسدود لطيفة منها صغيّر ومنها كبير ومنها ألوان، ولمّا مصر طلبت بيانات كان رد إثيوبيا فوتوا علينا بكره، أو أحسن متفوتوش خالص وخدوا الباب وراكم، يعنى مفيش أحسن من كده علاقات وأواصر أخوية. ونسينا سد النهضة يا ريس، ده ووصل ارتفاعه حوالى ستين متراً أو أكثر، والحكومة مكتّمة على الإعلام، والشعب آخر من يعلم، خليهم أحسن مبسوطين بشهر رمضان والعيد. ويا ريس إيه هىّ توقعاتك من المباحثات الفاشلة مع إثيوبيا. طيب خلينا نتفاءل ونفترض أن الدراسات سوف تنتهى بعد سنة ولا سنتين، وأن الدراسات سوف تنتهى بأنّ السد سوف يسبب عجزاً مائياً دائماً فى حصة مصر، تفتكر يا ريس مصر ساعتها تقدر تعمل إيه؟. إثيوبيا سوف تقول وقتها إن هذا هو الاستخدام العادل والمنصف لمياه النيل، ولو مش عاجبك خش معانا اتفاقية عنتيبى ونراجع التقسيمة مع بعض، ولو مش عاجبك يا مصر اضربى راسك فى سد النهضة. وهناك للأسف مصريون يروجون إلى أننا لازم نوافق على مطالب إثيوبيا لأننا مش قد مواجهات جديدة، وهو فيه مواجهات قديمة منعرفهاش ولا إيه؟. وبيقولوا إن المصريين المعارضين للسد عايزين يضربوه بالصواريخ، صواريخ فى نفوخكم. يعنى إما مصر تستسلم لإثيوبيا أو نروح نضربها بالصواريخ، مفيش حل وسط عاقل يحترم كرامة المصريين. وفيه ناس أعرفهم وحبايبى جداً وبيقولوا الراجل ده مغرور علشان اتخرج واشتغل فى جامعة «إم أى تى» ومش عاجبه حد وفاكر نفسه «ياما هنا ياما هناك»، ولو شاطر صحيح يقول لنا نتصرف إزاى. يا إخواننا الراجل ده من الصعيد وكان وما زال بيحرس فى الغيط، أمّا الحلول فأنا عملت بها عروض صباحية ومسائية ومحلية ودولية، وعموماً كتر التكرار يعلم الشطار. أحد الحلول فى هذا التوقيت بعد تدهور حالنا على أيديكم يا بركة، قد يتمثل فى الإجراءات التالية: ■ مطالبة إثيوبيا بوقف إنشاءات السد فور الانتهاء من مرحلته الأولى أو من مرحلة مقاربة «لنصف السعة الأصلية» والتى فى رأينا كافية لتوليد كمية الكهرباء نفسها من السد الضخم ذى الكفاءة المتدنية، والسد الأصغر سوف يقلل الأضرار على مصر ولكنه لن يمنعها. ■ الاتفاق على تأجيل بقية إنشاءات السد للتفاوض حولها بعد استكمال الدراسات. ■ الاتفاق على تعويض إثيوبيا إذا أثبتت الدراسات أنها تضررت من توقف الإنشاءات. وطبعاً العباقرة هيقولوا «طيب ما إحنا طلبنا وقف إنشاءات السد، وإثيوبيا رفضت طيب هاتقبل طلبك إنت ليه؟». أنا فى رأيى أنّ احتمال موافقة إثيوبيا على المبادرة أكثر من احتمالات رفضها، وذلك لأسباب سياسية واقتصادية، وممكن أمنية. ولو لم توافق إثيوبيا، هناك مسارات أخرى كثيرة ولكن بدون أن نفرط فى حقوق تسعين مليون مواطن، وانتظرونا. وختاماً.. هناك رسالة معايدة من كبير الهنود الحمر لوزير الرى يقول فيها: «إحنا تعبنا خالص من كتر المواعيد الوهمية للجنة الثلاثية، والأحباش من كترة تصريحاتنا الفنكوش بدأوا يستخفوا بينا ويلاعبونا كيكا عالعالى وكيكا عالواطى، دول بيبنوا سدود خمسة جداد يا باشا، وأنت ومستشاروك بتقولوا فى الإعلام يا حلاوة ده كله تمام. هوّ يا باشا محدش فى الوزارة بيزعل على حالكم وحالنا؟ ده إحنا الهنود من غيظتنا وفرستنا سقط ريشنا، وبقينا زى الفروجة المنتّفة والجاهزة للوكل... عيد فطر مبارك عليك وعلينا وعلى المحروسة».