كل عام وأنتم بخير أيها القراء الكرام. هذا عيد الفطر يطل علينا من نافذة عالمية، إذ يحتفل به المسلمون فى شتى أنحاء العالم ومحبوهم، بعد صيام «شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِىَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ». معظم المسلمين يصومون هذا الشهر الكريم، ويتعبّدون فيه أفضل وأكثر مما يتعبدون فى غيره من الشهور، أملاً فى ليلة القدر، وأملاً فى مغفرة ما قد مضى من ذنوب ومعاصٍ وآثام كبيرة أو صغيرة يتذكرها أو لا يتذكرها الإنسان. يأتى العيد تحقيقاً للفرحة الأولى فى الدنيا «لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ: فَرْحَةٌ عِنْدَ فِطْرِهِ، وَفَرْحَةٌ عِنْدَ لِقَاءِ رَبِّهِ»، فالعيد يشهد المسلمون فيه فرحة الفطر بعد الصيام كل يوم عند المغرب والفطر، ثم يشهدون فرحتهم الكبيرة يوم عيد الفطر، احتفالاً بتمام شهر الصوم ويدخر الله تعالى لهم الفرحة الأكبر والمكافأة الأعظم يوم القيامة. المسلمون الذين يفرحون بالعيد لديهم قدرة عجيبة على تناسى الأحزان والهموم -ولو مؤقتاً- فى أيام العيد، وإذ يسعى كل منهم إلى استقبال العيد ولبس الجديد، وهى أيام أكل وشرب ولهو برىء، أى ترويح عن النفس من عناء وتحديات تثقل كاهل الإنسان فيما سبق. فرصة العيد فرصة عظيمة للترويح عن النفس والاستعداد لمستقبل أفضل يكون فيه الإنسان أقرب إلى الله تعالى. العبادة فى رمضان، تدعو الإنسان لأن يراجع نفسه، ويُقلع فى المستقبل عن الذنوب. من كان يكذب يعد ربه بألا يكذب، ومن كان يسرق يعد ربه بألا يسرق، ومن كان ينافق يعد ربه بألا ينافق، ومن كان يزنى يعد ربه بألا يفعل الفاحشة بعد رمضان، ومن كان يفعل شيئاً من التخلف، عليه أن يعمل كل ما يستطيع لكى يخرج الوطن من التخلف ويسير فى طريق التقدم، ومن لم يكن يصلى يعد ربه بأنه لن يترك صلاة مكتوبة، المهم أن الإنسان يكون أقوى من الشيطان فى رمضان بالطاعة والعبادة، فلماذا لا يكون كذلك بعد رمضان؟ هذه المسألة تحتاج إلى عزيمة، وتحقيقاً للتوبة الصادقة، ومن هنا يفرح الإنسان فى العيد، لأنه استطاع أن يقهر نفسه ويقهر شيطانه. فى العيد -خصوصاً فى القرى- يسعى كل الناس إلى زيارة بيوت الجيران والأقارب والأحباب، وكذلك السلام على الآخرين، بدءاً بمن عندهم واجب (أى عزاء مثلاً). هذه الظاهرة الجميلة التى تكاد تكون قد اختفت من المدن الكبيرة، فرصة أكيدة لتوطيد مستقبل العلاقات الاجتماعية، وتناسى الخلافات، وهى تأكيد لمعانى المودة والرحمة بين المسلمين وكل بنى البشر، وتدعيم أواصر التعاون والتكامل بين أبناء المجتمع الواحد بعد الأمة الواحدة، وهنا تبرز حقوق المواطنة بأن يشترك الجميع فى هذا الفرح العالمى، المسلمون وغيرهم من أصحاب الديانات الأخرى، فالناس كما قال الإمام على رضى الله عنه وأرضاه، صنفان، أخ لك فى الدين أو نظير لك فى الخلق، والحمد لله تعالى أن الخالق سبحانه وتعالى، هو الذى قال «وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِى آدَمَ»، تكريم الإنسان على العموم. فى العيد يخرج الجميع إلى الصلاة، الرجال والنساء والأولاد، يشكرون الله تعالى على نعمته وفضله «وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ»، وشكر الله تعالى على إتمام عبادة الصوم، رجاء القبول. الفرح هنا والشكر لله تعالى، الذى وفقنا ومكَّننا من أداء فريضة الصوم، وسنة التراويح. فى العيد يفرح الجميع لأن الأغنياء يجدون الفرصة السانحة لتوزيع الصدقات على المستحقين، وما أكثرهم فى بلادنا اليوم، ويفرح من يتلقون تلك الصدقات وهى حق لهم. يساعد شهر رمضان وفرحة العيد على إخراج الزكوات والصدقات، وبذلك يصبح البر وأعمال الخير من الأعمال الكريمة فى هذه الأيام خصوصاً، وهذا ما عناه المصطفى، صلى الله عليه وسلم، وهو يقول «أغنوهم عن السؤال فى هذا اليوم». بعض الفقهاء (المذاهب) يرون صلاة العيد فرض كفاية، وبعضهم يعتبرونها سنة مؤكدة، وبعضهم يراها واجبة. أيام العيد فيها تكبير يذكر الإنسان ويعينه على شكر الله تعالى «وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ». ومن أجمل ما ورد فى السيرة، أن أبا بكر الصديق، رضى الله عنه وأرضاه، دخل على ابنته «عائشة» يوم العيد وعندها جاريتان تغنيان، فنهرهما «أبوبكر»، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «دَعْهُمَا يَا أَبَا بَكْرٍ؛ فَإِنَّ لِكُلِّ قَوْمٍ عِيداً، وَإِنَّ عِيدَنَا هَذَا الْيَوْمَ». فالفرح فى العيد مشروع، رغم الحزن على الأموات ورغم الانفجارات الآثمة والتدمير والخراب، الذى يحدثه الداعشيون الإرهابيون. تحية خاصة لجنودنا ورجال أمننا البواسل ولأسر الشهداء الكرام، وكل عام وأنتم جميعاً والوطن بخير. والله الموفق.