عشت فى أحلام دستور تعتز به البلاد، وما زلت أعيش هذا الحلم الإنسانى الحضارى الجميل، حلم أن يجد المريض علاجاً؛ وأن يجد الطفل مدرسة وتعليماً جيداً، حتى نصل إلى المعايير الدولية؛ وأن يجد السائح أمناً وأماناً وسلاماً واستقراراً فى مصر. وأن يجد العاطل عملاً، ويجد سكان المقابر سكناً غير المقابر فى الحياة الدنيا. هناك كوابيس حقيقية، لا فى الأحلام وحدها، بل فى الحياة الواقعية؛ هذه الكوابيس تكاد تُخرج الإنسان عن صوابه وتفقد الحكيم حكمته. ثورتان فى مصر وشهداء وجرحى، وأهداف جميلة من «عيش وحرية وعدالة وكرامة»، ورئيس منتخب ذى شعبية جارفة؛ زعيم قبل الرئاسة؛ وضعت الأمة عليه آمالاً عريضة. بدأ خطوات الإصلاح بقوة وشجاعة لمواجهة الإرهاب والفساد والتخلف. سنهزم الإرهاب بإذن الله تعالى؛ ولا أدرى إذا كان الفساد والتخلف أو البيروقراطية أكبر من الخطوات والخطط؛ وسواء كان هكذا أو غير ذلك، فإن القيادة الحكيمة؛ بعد الإخلاص لله تعالى، ستهدم أى فساد وأى تخلف، هذا هو الحلم والأمل. أقول هذه المقدمة؛ وقد زار رئيس الوزراء معهد القلب، وحدث ما حدث. وقال الإعلام إن الوزير المختص -وزير الصحة- نقل مكتبه إلى المعهد؛ ولعل الوزير يحتاج إلى مكتب فى كل مستشفى، وكل معهد طبى للمتابعة، طالما ظلت المركزية والبيروقراطية والإهمال والقذارة من أمراضنا. لماذا هذه المقدمة الصعبة؟ لقد استدعاها ما هو أصعب. زارنى رجل مريض جداً أجرى عملية قلب مفتوح فى مستشفى زايد التخصصى فى سنة 2012؛ وعملية تركيب 3 دعامات فى مارس 2015؛ وذلك فى مستشفى قصر العينى؛ وهو ونحن معه نشكر الإدارة والأطباء الذين اهتموا به، على قدر استطاعتهم. ومشكلة الرجل أنه فشل حتى الآن فى أن يجد الدواء الذى كتبه الأطباء له، حتى لا تفشل العملية الجراحية مرة ثانية. الرجل لا يريد أن يعيش على أموال الصدقة، وإن كانت حقاً له؛ ولا يريد كما قال، أن يلقى الله تعالى وهو متسول، حتى لو كان ثمن الدواء، لكن يريد حقه الذى أعطاه له الدستور فى بند الرعاية الصحية. قال الرجل كلمة واضحة عن بعض البرلمانيين الذين تداولوا الترشح والنجاح فى منطقته. قال «إنهم يعتبرون الشعب سلماً يصعدون فوقه؛ فإذا صعدوا رفسوه بأرجلهم، ولم يعد الشعب يعنيهم فى أى شىء». هل تتغير المعايير؟ وكيف؟ كان الله فى العون. سألنى الرجل بصفتى كنت عضواً فى لجنة الخمسين للتعديلات الدستورية، وكنت نائباً لرئيسها «أليس هذا الدستور عقداً بين المواطن والدولة؛ فإن كان كذلك، فكيف تحرمنى الدولة من أهم حقوقى المنصوص عليها فى الدستور حتى اليوم؟ قلت له إن الدولة لم تحرم أحداً، لكن الفساد المتجذر العميق هو السبب، وهو لا يزال فى ظنى، أكبر من خطوات الإصلاح حتى اليوم. أنا أنقل هنا حرفياً نص المادة (18) من الدستور الجديد أو المعدّل لتكون أمام نظر رئيس الوزراء المهندس إبراهيم محلب، وأمام نظر وزير الصحة حيثما اتخذ مكتبه. تنص تلك المادة على أن «لكل مواطن الحق فى الصحة وفى الرعاية الصحية المتكاملة وفقاً لمعايير الجودة، وتكفل الدولة الحفاظ على مرافق الخدمات الصحية العامة التى تقدم خدماتها للشعب ودعمها والعمل على رفع كفاءتها وانتشارها الجغرافى العادل. وتلتزم الدولة بتخصيص نسبة من الإنفاق الحكومى للصحة لا تقل عن 3% من الناتج القومى الإجمالى، تتصاعد تدريجياً، حتى تتفق مع المعدلات العالمية. وتلتزم الدولة بإقامة نظام تأمين صحى شامل لجميع المصريين يغطى كل الأمراض، وينظم القانون إسهام المواطنين فى اشتراكاته أو إعفاءهم منها طبقاً لمعدلات دخولهم. ويجرم الامتناع عن تقديم العلاج بأشكاله المختلفة لكل إنسان فى حالات الطوارئ أو الخطر على الحياة. وتلتزم الدولة بتحسين أوضاع الأطباء وهيئات التمريض والعاملين فى القطاع الصحى. وتخضع جميع المنشآت الصحية، والمنتجات والمواد، ووسائل الدعاية المتعلقة بالصحة لرقابة الدولة، وتشجّع الدولة مشاركة القطاعين الخاص والأهلى فى خدمات الرعاية الصحية وفقاً للقانون». كل منا يقابل كل يوم العديد من الأشخاص الذين يحتاجون إلى رعاية من الدولة ومن المجتمع. وأعتقد أن تفعيل الدستور بالكامل وإن كان تدريجياً، سيحل العديد من تلك المشكلات، وسيجعل الشعب يشعر بالاطمئنان والثقة فى الدولة والقيادة، خصوصاً إذا كان التفعيل صواباً ودقيقاً، بدءاً فى أهم المجالات، وهى: الرعاية الصحية، والتعليم، والضمان الاجتماعى، وتحقيق المساواة التامة بين المواطنين. بقى أن تعرف أيها القارئ أن الرجل، وإن كان عاملاً (نقاشاً) قبل المرض، فإنه من المثقفين المعنيين بشئون بلده وليس اهتمامه لمصلحته الشخصية فقط، وهؤلاء قلائل. إنه العامل المواطن/ فؤاد عبدالمطلب محمد على، الذى يعانى من قصور بالشرايين وارتفاع ضغط الدم والسكر، ويحتاج خمسة أدوية للعلاج، كما تؤكد المستندات التى يحملها الرجل معه. كما أن الرجل يحمل معه توصية المجلس الطبى المتخصص بالعلاج واستكمال العلاج على نفقة الدولة، لكن أين الجهة التى عليها التنفيذ، على الأقل خوفاً من الله تعالى أولاً، واحتراماً للدستور، ثم للجهات التى قررت ذلك العلاج للمريض. والله الموفق..