"العاشر من رمضان"، يوم يحمل بين طياته النصر، فالأمر لا يقتصر على أنه نهاية العشر الأوائل من الشهر الكريم، ولا شن حرب النصر "6 أكتوبر 1973"، كما يشهر، وإنما يرجع تاريخ نصره لعصور المجد الإسلامي والعربي أمام غطرسة ملوك أوروبا الملتحفين بالدين لتحقيق أهدافهم الباطلة. ففي "العاشر من رمضان"، ألحق المصريون بالصلبيبن هزيمة ساحقة، في أرض المحروسة، إذ أعتقدوا أن المصريين قد ضعفت قواهم، وهو ما جعل القائد العسكري الصليبي روبرت أرتوا يظن ذلك عندما قرر الزحف من مدينة دمياط التي أحتلوها أثناء مرض الملك الصالح أيوب، بإتجاه مدينة المنصورة للقضاء على الجيش الأيوبي، بعد وفاة الملك الصالح أيوب، لتعلن عن إندلاع حرب المزلة للصليبين ب"المنصورة" في العاشر من رمضان سنة 647 هجرياً. وقال الدكتور أيمن فؤاد رئيس الجمعية المصرية للدراسات التاريخية، في تصريح خاص ل"الوطن"، إن بعد وفاة الملك الصالح أيوب، اضطرت زوجته شجرة الدر من إخفاء أمر وفاته، وأخذت على عاتقها إدارة شؤون البلاد وإصدار المراسيم، بالاتفاق مع الأمير فخر الدين يوسف أتابك العسكر والطواشي جمال الدين محسن رئيس القصر حين ذاك، خشية أن تتأثر معنويات الجيش، ويشتد بأس الصليبيين. وتعد معركة المنصورة، أول ظهور للمماليك كقادة عسكريين في مصر، إذ أنهم استطاعوا إثبات جدارتهم بعد إمساكهم بزمام الأمور في تلك المعركة، من خلال الاستراتيجية الذكية المتبعة في قتال الصليبين، حيث أختبؤوا داخل حصون منيعة في المدينة، وانتظروا قدوم الصليبيون إلى داخل المنصورة، ولما أدركوا أسوار القلعة التي أتخذها المصريون مقرًا لقيادتهم، باغتهم المماليك بالخروج عليهم في شوارع ودروب المدينة، وهو ما جعل الصليبين يبادرون بالفرار فقتل منهم من قتل وألقى آخرون بأنفسهم في مياه النيل. ووصل جيش لويس التاسع، الذي بادر بإقامة خط أمامي لمواجهة هجوم فرسان المماليك، ضد قواته، بإقامة جسر على ضفاف النيل حيث وزع رماته على الأطراف البعيدة للنهر، لكن المماليك أثبتوا جدارتهم مرة ثانية، وبادروا بشن هجومهم على المعسكر الصليبي، ولكن لم تسر الأمور كما اشتهى المسلمين، إذ أجبرهم الملك الفرنسي على التراجع إلى المنصورة، ولم يظل التفوق الصليبي مستمرًا، وإزداد الأمر سوءًا وبسرعة بعد أن قلت المؤن، وفقد الصليبيين نسبة كبيرة من فرسانهم، إضافة لانتشار الأمراض بينهم. كلمة النهاية كانت في يد "توران شاه أبن الملك الصالح أيوب" الذي وصل إلى المنصورة، وتسلم راية القيادة، فأعد خطة عسكرية للفوز بإنشاءه أسطول من السفن الخفيفة بغية اعتراض سفن الصليبين وقطع الأمدادات عنهم، ما جعل لويس يفكر بالانسحاب إلى مدينة دمياط، وعند وصول الصليبيين إلى منتصف الطريق بين المنصورة، ودمياط في منطقة "شرمساح" تحديداً، أحاط المماليك بهم، وشنواً عليهم هجوما ضارياً، لم يقوا عليه "لويس"، وطوق جيشه بأكلمه، وحلت به هزيمة نكراء، جعلته يساق مكبلاً هو وجنوده إلى المنصورة، واحتجز في دار أبن لقمان، وأطلق سراح الملك لويس ورحل إلى سوريا، وغدت المنصورة مقبرة للصليبيين. "إن التاريخ العسكري سوف يتوقف طويلا بالفحص والدرس أمام عملية يوم السادس من اكتوبر عام 1973، حيث تمكنت القوات المسلحة المصرية من اقتحام مانع قناة السويس الصعب واجتياح خط برليف المنيع وإقامة رؤوس جسور لها على الضفة الشرقية للقناة، بعد أن أفقدت العدو توازنه في 6 ساعات"، جملة لخص بها الرئيس الراحل محمد أنور السادات كلمة السر في تلك الملحمة الذي برز فيه سلاح الطيران والمدفعية المصرية والمشاه والقوات البحرية، ولم يسأموا حربا طاحنة استمرت لمدة 18 يوم، وكان للدول العربية دور بالغ الأهمية في تحقيق ذلك النصر المبين، حيث قامت بحظر تصدير النفط إلى الولاياتالمتحدةالأمريكية ودول الغرب كوسيلة ضغط لعدم إمداد إسرائيل بأية مساعدات عسكرية، إلى جانب تقديم مساعدات مالية بقيمة كبيرة ووضعها تحت طلب الجبهة المصرية في حرب "العبور"، قبل أن يأتي قرار مجلس الأمن بوقف إطلاق النار بين مصر وإسرائيل في 24 أكتوبر عام 1973، ليعلن انتصارا مأزرا للمصريين تمثل في استردادهم لجزء كبير من أراضي احتلها العدو عام "67".