حاول الأستاذ عاطف الغمرى فى كتابه الجديد «اختطاف الثورة.. وثائق المؤامرة من 25 يناير إلى 30 يونيو» أن يُشبع فضول القارئ الحائر أمام موقف الرئيس الأمريكى باراك أوباما المنحاز إلى جماعة الإخوان المسلمين فى مصر، وبكائه المكتوم على دوال دولتهم السريع، وإعلانه «المتحفظ» عن إجراءات غير ودية ضد النظام الذى حملته ثورة 30 يونيو على أكتافها نحو الحكم، والتلويح بمقاطعة النظام والتأليب عليه وتجميد المعونة ووقف صفقات الأسلحة المتفق على توريدها، وفتح أبواب البيت الأبيض والكونجرس والخارجية لرموز الإخوان الهاربين، وإيجاد منابر أمريكية يخاطبون الرأى العام الأمريكى من فوقها، ويكيلون الاتهامات للجيش مغتصب الشرعية المزعومة! وتناسوا أنهم هم أنفسهم الذين قادوا أول انقلاب على الشرعية فى «المسخ الدستورى» المكمل الذى أعلنوه بليل فى نوفمبر 2012 لتحصين قراراتهم وقوانينهم ضد الطعن عليها، ولم يكتفوا بذلك فامتدت معاولهم لتحطيم القضاء، آخر قلاع العدالة المحاصرة التى أبت الاستسلام والخضوع. قد تكون العلاقة التاريخية الموثقة، والتى فضّ عاطف الغمرى بعض وثائقها السرية فى كتاب سابق، صارت شيئاً معلوماً لكل المهتمين بأبعاد هذه العلاقة وتاريخها ومستقبلها، لكن الجديد هو تلك العلاقة الخاصة بينهما فى عهد أوباما، تلك العلاقة الخصوصية التى وصفتها ماريا دى كيو بينتو فى كتابها «الإسلام السياسى والولاياتالمتحدة» بالتغيير الأكبر فى السياسة الأمريكية الذى وقع بعد أن جاء أوباما إلى الحكم، ومعه فريق جديد للسياسة الخارجية، رغم أن أوباما حين تولى السلطة، بدأ رئاسته بالاقتراب الحذر من الإخوان بشكل ظهرت ملامحه فى خطابه بجامعة القاهرة فى يونيو 2009 حين أشار إليهم دون أن يسميهم عندما قال فى خطابه: «إن أمريكا تحترم حق أصحاب الأصوات السلمية والملتزمة بالقانون فى العالم (هكذا كان ظنه بهم!) حقهم أن نستمع إليهم، حتى لو كنا نختلف معهم. ونحن نرحب بكل الحكومات المنتخبة سلمياً». وللحق فإن اهتمام أوباما بالإخوان هو اهتمام سابق لثورة 25 يناير، وهو ما يؤكده ستيفن بروك فى دراسته عن «السياسة الأمريكية والإخوان المسلمون». يقول بروك إن إدارة أوباما اتخذت منذ توليه الحكم خطوات أساسية لتجديد اتصالات الولاياتالمتحدة بحركات الإسلام السياسى، ولكن أحداث الربيع العربى أربكت خططه فى المنطقة. وقد كانت هذه الاتصالات، كما يقول فواز جرجس فى كتابه «أمريكا والإسلام السياسى»، «جزءاً من مساعى أمريكية لتقييم احتمالات المستقبل، فيما بعد انتهاء نظام مبارك». فى هذه الوقت أقدم أوباما على تصرف لم يجرؤ عليه رئيس أمريكى قبله، حين طلب من مبارك دعوة أعضاء من الإخوان لحضور خطابه بجامعة القاهرة. لكن الغمرى لم يقل لنا هل استجاب مبارك أم اعتذر؟! وقد كان رجال البيت الأبيض فى عهد أوباما يتبادلون الأفكار بشأن إمكانية التعامل مع «أطراف ليست علمانية». وهو وصف دبلوماسى للإخوان المسلمين. ويرصد نيكولاس كيتشن فى كتابه «ما بعد الربيع العربى» ردود الفعل الأولى لإدارة أوباما على أحداث الربيع العربى، ويصور حالة الغضب التى سادت البيت الأبيض بسبب ما اعتبرته الإدارة تقصيراً من جانب المخابرات المركزية فى استباق الأحداث وتقديم إنذار مبكر بالعاصفتين اللتين ضربتا الإدارة الأمريكية فى كل من تونس ومصر. لكن «الصدمة» الأقوى التى هزت أوباما ليست الأحداث الثورية فى حد ذاتها التى شهدتها مصر فى الأيام الأولى للثورة، وحتى سقوط نظام مبارك فى الحادى عشر من فبراير 2011، وإنما ما كشفت عنه الأحداث من هوية وطنية للثورة وما ينتظر أن تتخذه من توجهات سياسية قد تتعارض مع المصالح الاستراتيجية الأمريكية. كان لا بد أن تتحرك إدارة أوباما -كما لاحظ كيتشن- نحو استخدام علاقاتها مع أطراف فى المنطقة لإعادة صياغة الأحداث، والدفع بها فى الاتجاه الذى تصبو إليه. وكانت خطة «تمكين» الإخوان جزءاً من هذه التحركات الأمريكية لاحتواء الثورة وتدجينها. وقد وظّفت وراء هذا الهدف مراكز بحوث ومنظمات مدنية، وأعضاء فى مجلسى الشيوخ والنواب الأمريكيين. فقد لعبت منظمات أمريكية مدنية دور «حصان طروادة»، واخترقت صفوف التظاهرات الجماهيرية فى مصر من بعد 25 يناير 2011. كان هدفها ضبط إيقاع النشاط الثورى عند حده الأدنى وتحجيمه وكبح جماح الجماهير الثائرة من الشطط، والعمل على ضمان عدم توسيع الحركة الاحتجاجية. من بين هذه المنظمات «بيت الحرية» Freedom House والصندوق القومى للديمقراطية، فضلاً عن المعهدين الديمقراطى والجمهورى. وقد قدمت هذه المنظمات تمويلاً للبعض، لكى لا تتحول شعارات الحركة الاحتجاجية إلى المطالبة بسياسات راديكالية ليست فى صالح الولاياتالمتحدةالأمريكية وإسرائيل. ومن المعروف أن «بيت الحرية» ضالع فى ارتباطات إدارية ومالية وتنظيمية بالمنظمات اليهودية الأمريكية! وأحياناً ما كانت الولاياتالمتحدة تتغدى مع معاوية وتتعشى مع على. فقد كانت تتعمد تأييد فصائل مشاركة فى ثورة 25 يناير من غير المحسوبين على الإخوان، بهدف إحداث فوضى وشروخ سياسية، وخلق انقسامات اجتماعية وطائفية، بما يمنع القوى السياسية من إقامة حكومة وطنية. وقد اتخذ أعضاء فى مجلسى النواب والشيوخ الأمريكيين مواقف تنسجم وتوجهات الرئيس أوباما بإعلان تأييدهم إعطاء الحكم للإخوان. وكان نائبان معروفان هما السيناتور جون ماكين والسيناتور توماس ليندساى يجاهران بتأييد الإخوان تحت قبة مجلس الشيوخ. ومكين هو الذى زار بنغازى موطن «المجاهدين» فى ليبيا فى أبريل 2011، وأثناء الزيارة دعا مكين إدارة أوباما لتسليح المجاهدين الليبيين، وكثيرين منهم ينتمون لتنظيم القاعدة، ووصفهم يومها «بالأبطال»!