تتذكر الذي كانت ترويه لها جدتها وهي صغيرة، عادات لا يزال شعبًا بأكمله يحافظ عليها برغم اغتصاب أرضه على يد الاحتلال، وتوارثتها الأجيال ورسختها جيلاً بعد جيل لتبقى خالدة "فلسطين" في ذاكرة أولادهن في الشتات. "أمال الأغا"، التي تعود جذورها في يافا عروس البحر المتوسط التي احتلها الإسرائيليين في 1948، وخرج أهلها منها مع باقي سكانها، فولدت الأغا، في السعودية وثم كبرت وعاشت بمصر، إلا أنها لم تنسى جذورها التي بقت في يافا، عملت واهتمت بقضايا وطنها حتى أصبحت نائب رئيس المرأة الفلسطينية بالقاهرة. "في المنطقة العربية تجمعنا اللغة والتاريخ والعادات والديانات، لكن هناك بعض الخصوصيات لكل دولة عربية، وفي بلادنا في فلسطين مع ظهور الهلال تمتلأ الشوارع بأصوات التكبير ويبدأ الجميع يتبادلون "كل سنة وأنت سالم"، هكذا وصفت طقوس الاحتفال. وفي القدس، المحتلة، ينتشر الجنود الإسرائيليين حول المساجد "مدججين بالأسلحة" كنوع من الإرهاب النفسي، رغم ذلك إلا أن "القوداسة"، أهل مدينة القدس كما أسمتهم الأغا، مازالوا مُصرين على الاحتفاظ بالروح الإسلامية ويذهبون للصلاة في المسجد الأقصى وقبة الصخرة، وتطوف الفرق التي تحمل الطبلة الفلسطينية وبعض شباب الكشافة شوارع القدس وتكبر وتغني الأغاني التراثية، لتبعث بهجة مع قدوم الشهر الكريم. توارثت عائلة "الصندوقة"، جيل بعد أخر إطلاق مدفع رمضان في الإفطار والسحور، وتحضيره وتنظيفه قبل بداية شهر رمضان، إلا أن الاستبداد الإسرائيلي منع هذه العائلة من ممارسة عاداتها لسنوات طويلة، حتى عادت مرة أخرى بعد استبدال البارود بطلقات صوتية، في مكانه بجانب المقبرة الإسلامية بالقدس، ويهتم به الآن رجائي صندوقة. "الاحتلال هو اللي قسمنا"، فالعادات تتشابه بين كل المدن الفلسطينية، ففي أول يوم يتجمع الأهل عند كبير العائلة الأب أو الأخ الأكبر، حول مائدة طويلة تتفنن فيها نساء العائلة في المأكولات الفلسطينية المختلفة، وقبل رمضان تأتي "فوؤدة رمضان" التي تساوي في مصر "شنطة رمضان"، والتي تحتوي على مكسرات وبما يسمى ب"مونة رمضان" من بقوليات، وأرز، وزيت، وغيرها، عادة كان يرسلها الأب لبناته المتزوجات أو أخيهم الأكبر، وبعد تطورت هذه العادة، وأصبحت المؤسسات والجمعيات تحضر هذه "الفوؤدة" لأهالي الشهداء والأسرى. الخروب و"اللموناضة" وقمر الدين هي المشروبات التي تشتهر بها شهر رمضان، وخاصة العرقسوس الأكثر تفضيلًا للكثيرين ليكسروا صيامهم عليه، وفي الإفطار تختلف الأكلات التي تشتهر بها المدن الفلسطينية، فتجد في نابلس الكنافة والمدلوقة، وقطاع غزة المقلوبة، والفتة، والمفتول، ودقة السلطة، أما في الضفة الغربية طبيخ اللبن، والمسخن، والمنسف، بجانب الأكلات المشتركة كالفتوش والحمص. وفي السحور، يأكل الفلسطينيون الحلاوة الطحينية موجودة التي تعطيهم طاقة لباقي يوم، وفي القدس تجد قرص البارزق، وفي نابلس خبز بحبة البركة والسمسم. "إن شاء الله يا رب ترجع البلاد.. والفطور الجاي في البلاد"، الدعوة التي تدور حول المائدة من لسان لأخر في بلاد الشتات، فتقول الأغا أن هذه الدعوة يتباركون بالشهر الكريم إلا أنهم يقولونها باستمرار حتى مع فنجان القهوة، "القهوة الجاية في البلاد". مع الحالة الاقتصادية الصعبة التي تعاني منها فلسطين في الفترة الأخيرة، وزيادة نسبة البطالة، أصبحت الجمعيات ترسل الأموال لأهالي الشهداء، والأسرى، والفقراء في فلسطين، خاصة قبل حلول شهر رمضان، بجانب "التكية" التي تقدم الوجبات الساخنة في موائد رمضان التي تفرد في الشوارع بجوار المساجد، ليأكل فيها الفقراء التي يساهم فيها أهالي المنطقة. "نازل نازل على السوق نازل على السوق نازل تطعميني كنافة تطعميني بقلاوة"، تتعالي أصوات أطفال الحارة وهم يسيرون بين محلات الحلوى والكنافة والبقلاوة، ويعودون إلى منزلهم ليأكلوا ما جمعوه، المودة والحب بين الأهل في الحارات الفلسطينية. "اصحى يا نايم وحد الدايم، قوموا لسحوركم خلي النبي يزوركم، أصحى واتصحر أحسن ما تجوع وتفطر"، يرتفع صوت المسرحاتي في الشوارع والأزقة الضيقة يخلفها صوت الجلدة الصغيرة التي تطرق بها طبلته الصغيرة. تحرص أمال على "الجَمعة" بالأهل، وتفرد المائدة بالأكلات الفلسطينية لتعريف أبناءها بها، في الوقت الذي تحرص دائمًا على زرع حبهم لوطنهم ومعرفة عاداتهم والحفاظ على هويتهم، نفس الذي تحرص عليه باقي العضوات في الاتحاد ويتجمعن مع أبنائهن وأصدقائهن في أحد أيام رمضان وتمتلئ المائدة الكبيرة من أكلات المدن، والقرى، والشمال، والجنوب، ثم يتحدثن عن الأوضاع في فلسطين "إحنا مش ناسين لبلادنا"، ويختتم اليوم بفريق كورال "عباد الشمس"، الذي يقدم الأغاني التراثية الفلسطينية، ويضفي جو من البهجة المحبة. ويتكون فريق "عباد الشمس" من أبناء عضوات الاتحاد وأصدقاءهم المصريين، الذي دعمه بعض الملحنين المصرين مثل الراحل جمال عطية وأحمد اسماعيل، كانت بدايته في الثمانينات وتعاقب عليه 4 أجيال يتغنون بالأغاني الوطنية والتراثية، فتحاول الفلسطينيات تزرع حب البلاد في أبنائهن، تجعل القضية الفلسطينية حية في قلوبهم وأمل العودة لبلادنا، حتى يواصلوا النضال من أجل رجوع الأرض والحفاظ على الهوية، سواء بالفن، أو بنشر الثقافة، أو السلاح، أو المال، أو النفس.