حقوق الإنسان هى القيم والمبادئ التى وصلت إليها البشرية ليتمتع الإنسان بكونه إنساناً بحزمة من الحقوق والحريات بصرف النظر عن هويته وانتمائه الدينى أو السياسى أو العرقى، فلا تمييز فى الحقوق والواجبات، وهى مبادئ إنسانية عالمية شاركت فى صياغتها كل الثقافات والمجتمعات على اختلافها، لكن القرن العشرين كان هو قرن صياغة مبادئ حقوق الإنسان فى اتفاقيات متعددة الأطراف وأصبحت التزاماً قانونياً على عاتق الدول والحكومات بموجب التوقيع والتصديق على هذه الاتفاقيات من قبل الحكومة والبرلمان. لم يعد من المقبول استمرار سياسات تقوم على القمع والاستبداد، أو استمرار انتهاكات جسيمة، مثل التعذيب أو القتل خارج نطاق القانون أو الاعتقال التعسفى أو التمييز بين المواطنين على أسس عنصرية أو دينية أو عرقية. وأصبحت الدولة مسئولة عن التصدى لهذه الانتهاكات من خلال تطبيق القانون على مرتكبى هذه الجرائم، وضمان ألا يفلت مرتكبو جرائم انتهاكات حقوق الإنسان من العقاب، فإن الجميع أمام القانون سواء، وخلق آليات دائمة للانتصاف هام حتى يجد الضحايا حماية بالقانون لحقوقهم والتعويض عن الانتهاكات الجسيمة التى وقعت عليهم، فهذه أصبحت جزءاً من دولة سيادة القانون. ولا يجدى الإنكار الدائم من المسئولين أن حقوق الإنسان محمية ولا توجد انتهاكات، بينما يشاهد المواطنون الانتهاكات تتم بشكل دورى ومنهجى، أو تكذيب التقارير التى تتحدث عن الانتهاكات أو التشكيك فى المنظمات ووصفها بالخيانة والعمالة، فهذه أساليب عفى عليها الزمان وأصبحت سمة من سمات الدول الاستبدادية. فبمجرد صدور تقرير المجلس القومى لحقوق الإنسان انهالت الاتهامات ضد المجلس تشكك فى تقريره، رغم أن التقرير فى الحقيقة يتسم بالموضوعية، ويتبع منهجاً علمياً فى توثيق البيانات والمعلومات حول الانتهاكات، وهو يأخذ التقارير الرسمية بشأن الأرقام والإحصاءات وتحقيقات النيابة وتقارير منظمات حقوق الإنسان ونتائج أعمال لجان تقصى الحقائق التى يشكلها المجلس والتى تحقق فى الانتهاكات الجسيمة بالإضافة إلى زيارات السجون وأماكن الاحتجاز، والمجلس يستهدف من التقرير السنوى رصد الانتهاكات واستخلاص التوصيات التى تحد من استمرار الانتهاكات سواء تطلب الأمر تعديلاً تشريعياً أو تغييراً فى السياسات الحكومية. وقد جاء تقرير المجلس شاملاً ليضم الحقوق المدنية والسياسية بالإضافة إلى الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وهى تعنى اهتمام المجلس بمنظومة حقوق الإنسان للمواطن المصرى بما فى ذلك حقوقه الصحية والتعليم والسكن والعمل جنباً إلى جنب مع الحقوق المدنية والسياسية وحمايته من التعذيب وإساءة المعاملة، وانتهى التقرير إلى تبنى حزمة من التوصيات بتعديل تشريعات وقوانين بما يؤدى إلى تحقيق حماية حقيقية لحقوق الإنسان فى مصر. فى الحقيقة كان رد فعل وزارة الداخلية مدهشاً فى إعلان أن التقرير غير دقيق، وأن كل أماكن الاحتجاز لا يوجد بها ازدحام أو إساءة معاملة، أو إنكار عودة الوفيات داخل أماكن الاحتجاز رغم أن التقرير تضمن حالات بلغت 38 حالة، بينما تقارير المنظمات تتحدث عن 90 حالة تقريباً. المجلس القومى مجلس استشارى دوره هو حماية حقوق الإنسان من خلال تقديم التوصيات والاستشارات للحكومة بما يؤدى إلى محاربة الانتهاكات وتقديم مرتكبى جرائم حقوق الإنسان للعدالة وتعزيز قيم ومبادئ الإنصاف والمحاسبة، وبالفعل تضمن التقارير مشاريع قوانين مهمة، على رأسها قانون مكافحة التميز. الهجوم على حقوق الإنسان لن يعفى من المسئولية فى حماية الإنسان المصرى من الانتهاكات، بل الهدف الأساسى هو تعزيز قيم حقوق الإنسان من أجل دولة قانونية ديمقراطية تحترم الدستور والاتفاقيات الدولية التى التزمت بها الدولة المصرية والتى بموجب الدستور أصبحت تشريعاً وطنياً ملزماً.