فى عام 1926، وفى ذروة تطور حركة الإصلاح الدينى، تألفت لجنة من المختصين بالمسائل الفقهية من تلامذة الشيخ محمد عبده للنظر فى قانون الأحوال الشخصية، وضعت اللجنة مقترحات تجاوزت المذاهب الأربعة إلى آراء الفقهاء عامة مما هو نافع للأسرة. وارتقى عمل اللجنة إلى الاستنباط من القرآن والسنة حتى ولو ناقض ذلك ما قاله السابقون. ومن أهم النقاط التى أقرتها اللجنة أنها قيّدت رغبة الرجل فى تعدد الزوجات واشترطت لتزوج الرجل من أخرى ألا يعقد الزواج أو يسجله إلا بإذن القاضى الشرعى، ومنع القاضى من الإذن لغير القادر على القيام بحسن العشرة، والإنفاق على أكثر ممن فى عصمته ومن تجب نفقتهم عليه من أصوله وفروعه. كما أخذت اللائحة المقترحة من هذه اللجنة بمبدأ الالتزام بالشروط التى تفرضها الزوجة على الزوج عند إبرام العقد، كالاشتراط بألا يتزوج عليها. وأعطت اللائحة الحق للزوجة فى طلب التفريق بسبب إضرار الزوج بها بما لا يستطاع معه دوام العشرة. وكذلك طلب الزوجة الطلاق لو غاب زوجها سنة فأكثر حتى لو ترك مالاً تستطيع الإنفاق منه، حيث رأى العلماء أن للرجل دوراً فى الحياة الزوجية أهم من المال، وللمرأة احتياجات لا بد من احترامها حتى لا نحكم عليها بالقهر والكبت أو الانحراف الذى يتحمل مسئوليته هنا الزوج الذى تجاهل احتياجات زوجته وتركها وراءه كمتاع وليس كإنسان. رفض الملك هذه التعديلات لرغبته فى الزواج مرة أخرى، وعلى الرغم من عدم قبول اللائحة فى ذلك العام، فقد صدر القانون رقم 25 لسنة 1929 متجاهلاً كل ما جاء من اجتهادات كان يمكن أن ترسم تطورات مهمة ليس فقط على مستوى الأسرة وإنما على مستوى الاجتهاد والتطوير ونصرة الدين الإسلامى وإعادته ممن اختطفوه لأسباب سياسية أو أسباب شخصية، حيث سجن القانون البديل المسلمين والمسلمات فى تصورات واجتهادات المذاهب الأربعة فقط، والتى بالتأكيد كانت مناسبة لعصرها لكنها غير مناسبة لعصر تلاها بقرون، وعمّق من الاغتراب الذى نعيشه، حيث نتطور على مستوى الاستهلاك لما هو جديد لكننا نعود لقرون ماضية على مستوى الفكر والقناعات، ويا ليتها قرون ماضية تحمل القيم الحقيقية وإنما يختلط فيها ما هو دينى وما هو سياسى فضلاً عن بعض عادات الجاهلية، ولم يحافظ على شىء من اجتهادات المستنيرين إلا على أقل القليل، حيث ترك الطلاق بلفظ الثلاث والإلزام بكل شرط تشترطه الزوجة، لكنه لم يقيد الطلاق أو يجعل التعدد بإذن القاضى، ما ترتب عليه خلل كبير فى عقد الزواج الذى من المفترض أن يكون مبنياً على المودة والرحمة. لكن تلامذة الشيخ محمد عبده اعتمدوا فى اجتهادهم على بناء الأسرة على أسس المودة والرحمة والاتفاق على بناء الأسرة، وكيفية إدارتها واتخاذ القرارات بصورة مشتركة تحترم إرادة الطرفين ما لا يجعل طرفاً مقهوراً، حيث القهر هو النقيض التام للمودة، وإذا تعذرت المودة رسم الشيوخ الإصلاحيون كيفية الاتفاق على انفصال الأسرة بما يحترم كرامة وحقوق الطرفين أيضاً ما لا يعرض الطرفين أو الأبناء للخطر، والأهم فى هذا المقترح هو إلزام الدولة بتنظيم العلاقة على من يتعذر تنظيمها حماية لجميع الأطراف لا سيما الطرف الأولى بالرعاية، وذلك بجعل الطلاق بيد القاضى لا بكلمة ينطقها شخص يدمر أسرة ويشرد أبناء بلا حسيب ولا رقيب، أيضاً جعل التعدد بإذن للتأكد من قدرة طالب التعدد وليس الإضرار أو الاتجار. لقد تنكرنا لاجتهادنا ترضية للحاكم، وسجنا أنفسنا فى تصورات جعلتنا خارج الزمن ودمرت أجيالاً، فهل لنا أن نعيد النظر ونصحح المسار؟ نأمل ذلك.