أزمات كثيرة تعانى منها مصر على مدار عقود وسنوات، لحقت بها مشكلات جديدة ظهرت خلال الأشهر الأخيرة، من «ورطة» الانقطاع المتكرر للتيار الكهربائى حتى «معركة» الخطاب الدينى، وبينهما ورطات أخرى ومعارك كثيرة، بعضها انقضى وبعضها لا يزال مستمراً. لعب الإعلام بأنواعه ووسائله المختلفة دوراً كبيراً على مدار تلك الأحداث والقضايا، حتى تعاظم دوره تدريجياً واشتد تأثيره بصورة تجاوزت أحياناً كثيرة دور الرئيس عبدالفتاح السيسى، ودفعته تارة للتوضيح، وتارة أخرى للاعتذار، إما للمواطنين وإما للأشقاء العرب. «انقطاع الكهرباء»، من أكبر الأزمات التى تبناها الإعلام، ووجّه فيها انتقادات واسعة للحكومة برئاسة المهندس إبراهيم محلب، وصلت بدورها إلى الرئيس عبدالفتاح السيسى، بعد شهرين فقط من توليه منصبه. هجوم وسائل الإعلام المختلفة فى أزمة «التيار الكهربائى» كان شديداً وثائراً بالدرجة التى أغضبت «السيسى» نفسه، ودفعته للتعبير عن استيائه فى أحد خطاباته أغسطس 2014، من «مانشيت» لإحدى الصحف الخاصة اليومية، الذى تصدر الصفحة الأولى منها بعنوان «مصر منورة بأهلها»، وقالت الصحيفة، إن «أزمة انقطاع الكهرباء سجّلت مستويات قياسية، وعاش ملايين المواطنين فى حالة ظلام كامل وصلت فى بعض المناطق إلى نحو 20 ساعة، فى الوقت الذى تنفق فيه الدولة يومياً ما يقرب من مليار جنيه لدعم الطاقة»، الأمر الذى عقب عليه «السيسى» فى كلمة حول الأزمات التى تواجه مصر، داعياً الإعلاميين لتناول المشكلات بصورة تؤدى إلى حلها، وليس إلى تفاقمها، قائلاً: «الانتقاد المستمر لأداء الحكومة ليس الحل لمعالجة الأمور، ومش معقول نكتب (مصر منورة أو الحكومة منورة) لأننا بنواجه أزمات عمرها سنين، ولا يجوز التعامل مع أزمة كبيرة يعانى منها الوطن بالكامل بهذا الشكل الساخر». إعلان الرئيس غضبه من «مانشيت صحفى» فى كلمة رسمية وجهها للشعب، لم يوقف حملة الإعلام التى شنها فى أزمة «الكهرباء» المزمنة، لتستمر الانتقادات ويستمر الهجوم عبر القنوات الفضائية والصحف الورقية والمواقع الإخبارية، حتى بدأت الأزمة تتلاشى تدريجياً، وتنخفض معدلات انقطاع التيار الكهربائى، بعد تحركات واسعة للرئيس والحكومة داخلياً وخارجياً تحت «ضغوط الإعلام»، لمحاولة علاج المشكلة والبحث عن حلول وخطط بديلة، فضلاً عن التغييرات المتعددة التى شهدها قطاع الكهرباء والطاقة تحت سهام «الانتقاد الإعلامى». «الداخلية» فى عهد «السيسى» كانت محط استهداف لهجمات وسائل الإعلام، هجمات لم تهدأ وتيرتها، ولم تنطفئ نارها، بل تصاعدت يوماً بعد آخر، وحادثة وراء أخرى. «الداخلية»، شريكة «الإعلام» فى ثورة 30 يونيو، صارت هدفاً لرصاص الفضائيات والصحف فى معركة اختلطت فيها أوراق مؤيدى النظام بمعارضيه. «ثقوب فى البدلة الميرى» كان عنوان حملة لإحدى الصحف الخاصة التى هاجمت وزارة الداخلية، وكشف ما سمته «التجاوزات والخطايا التسعة» للشرطة، فيما نقلت صحيفة مستقلة أخرى عن مصدر قضائى أن هناك «أدلة تكشف تورط ضابطى الأمن الوطنى بقتل محامى المطرية»، ونشرت فى خبر آخر شهادة عريف شرطة تُحمّل متهمى واقعة «سيارة الترحيلات» من الداخلية، مسئولية الواقعة التى أسفرت عن مصرع أكثر من 30 قتيلاً بالاختناق. المعركة التى بدأت عند الصحف الخاصة انتقلت إلى الصحافة القومية، لتنشر إحدى الصحف القومية الكبرى تقريراً بعنوان «فى أقسام الشرطة.. من لم يمت بالتعذيب مات بالاختناق»، انتقدت فيه تكدس أماكن الاحتجاز بالمعتقلين، ما ينذر بوقوع كوارث، على حد قولها. الصخب الواسع الذى أحدثته معركة «الإعلام» مع الداخلية، بات محل اهتمام الرئيس الذى طالب اللواء مجدى عبدالغفار، وزير الداخلية، بعد إقالة اللواء محمد إبراهيم، بضرورة تحقيق التوازن بين إرساء الأمن والاستقرار، وحقوق وحريات المواطنين، فضلاً عن احترام المواطنين، والتواصل معهم. الهجوم على بعض الدول العربية، من جانب عدد من الإعلاميين، أحدث حرجاً كبيراً للرئيس السيسى، الذى سارع بتقديم اعتذاره بشخصه أو من خلال وزارة الخارجية فى أكثر من واقعة. «المغرب» كانت الدولة الأولى التى توترت علاقاتها بمصر عقب تصريحات للإعلامية أمانى الخياط، اعتبرت فيها أن «الدعارة» أهم دعائم الاقتصاد المغربى، ما دفع وزارة الخارجية للاعتذار إلى المغرب، فى بيان رسمى، أكدت فيه أن تلك التصريحات لا تمثل بأى حال من الأحوال سوى صاحبها، ولا تعبر مطلقاً عن مواقف وسياسات مصر حكومة وشعباً التى تكن كل الإعزاز والتقدير للمملكة المغربية الشقيقة وقيادتها الرشيدة، وإنها ترفض تماماً أى تصرفات قد تتسبب فى جرح غير مقبول أبداً فى نفوس الأشقاء». وبعد محطة «المغرب» أعلن الرئيس عن اعتذره لأمير قطر، تميم بن حمد آل ثانى، عن أى إساءات صدرت ضد والدته الشيخة موزة بنت ناصر فى الإعلام المصرى، خلال لقائهما على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة العام الماضى. وقال «السيسى»، فى حوار مع صحيفة «الشرق الأوسط» اللندنية، فبراير الماضى: «لا يمكن الإساءة إلى المرأة العربية بأى شكل من الأشكال، ولذلك أنا قلت لأمير قطر من فضلك بلغ والدتك عنى الاعتذار، لأننى لا أقبل مثل هذه الإساءات، ليس إلى سيدة من قطر فقط، وإنما إلى أى سيدة من أى مكان فى العالم». أزمات الإعلام التى أحدثها للرئيس مع دول عربية، امتدت فى محطتها الثالثة إلى أكثر الدول الشقيقة تحالفاً مع مصر منذ «30 يونيو»، حيث هاجم الإعلامى إبراهيم عيسى الغارات السعودية على اليمن، معتبراً أنها تستهدف تدمير البنى التحتية للشعب اليمنى مثل المطارات والجسور ولم تستهدف الإرهابيين كما تزعم الرياض، وقال ساخراً، تعليقاً على دعوة سعود الفيصل وزير الخارجية السعودى السابق لتصويب الخطاب الدينى: «من سيقوم بتصويب الفهم الدينى الذى يطالب به؟ ابن باز وفتاويه التى لا تسمح للمرأة السعودية بقيادة السيارة؟!»، ثم لحق به الإعلامى يوسف الحسينى، الذى وصف فى برنامجه «السادة المحترمون»، عاصفة الحزم بأنها «زعابيب»، وسخر من هجمات السعودية ضد الحوثيين فى اليمن، وقال إن تسميتها «غير إبداعية ولا تعكس الواقع»، فى حين ترددت أنباء عن توجيه «السيسى» اعتذاراً للملك سلمان، خادم الحرمين الشريفين، عن إساءات بعض الإعلاميين للمملكة ودورها بالمنطقة، فى ثالث زيارة له خلال ثلاثة شهور، جاءت بصورة سريعة ومفاجئة، بعد الاحتجاج السعودى الرسمى من قبل سفير المملكة فى القاهرة، أحمد قطان، على ما سماه «الحملات الإعلامية المصرية ضد المملكة». «إقالة محمد إبراهيم»، خبر تصدر الصحف ومناقشات البرامج الفضائية، عكس، بحسب رأى البعض، انتصاراً للإعلام بعد هجوم شديد شنّه ضد وزير الداخلية السابق، على مدار عدة أشهر، لتصبح المطالبة باستبعاده من الوزارة أكثر ترديداً وإلحاحاً فى وسائل الإعلام عقب كل حادثة، حتى جاءت «الاستجابة» من الرئيس برحيل «أحد شركاء 30 يونيو»، بعد أحداث الدفاع الجوى التى أسفرت عن ضحايا ومصابين بين صفوف مشجعى نادى الزمالك. فيما وجه الإعلامى وائل الإبراشى فى برنامجه «العاشرة مساءً» على قناة «دريم 2»، «تحية الإقالة» للوزير، قائلاً: «شكراً لوزير الداخلية، برنامجى كان وراء إقالته»، بعد ما قدمه من حلقات، حسبما أشار، عن انحرافات بعض الضباط وأمناء الشرطة فى عهد «إبراهيم». «التجديد الدينى»، معركة جديدة اتجهت فيها سفن الإعلام على عكس اتجاه الرياح التى أطلقها «السيسى»، بعد دعوته إلى «الثورة الدينية»، بصورة شوهت دعوة الرئيس، وغطت عليها، دفعه إلى فتح القضية مجدداً، وإعادة توضيح دعوته، قائلاً: «لمّا قلت ثورة دينية، وتجديد للخطاب الدينى، لم أقصد أبداً البلبلة إللى حصلت دى. إحنا محتاجين نجدد ونغير عشان نتحرك ونواكب عصرنا، لكن كمان محتاجين ناخد بالنا إن الدين مهم جداً لأصحابه». «الإعلام فى الفترة الأخيرة تجاوز دوره، وتدخل فى دور المؤسسات»، قالتها الدكتورة ليلى عبدالمجيد، عميدة كلية الإعلام بجامعة الأهرام الكندية، مؤكدة أن الإعلام تضخم فى الآونة الأخيرة ولديه تجاوزات فى مناقشة الإيجابيات والسلبيات، تعطى فرصة للمعارضة دون وعى أو إدراك: «يجب على الإعلام إعادة تقييم نفسه بنفسه، فهى أول خطوة لتصحيح المسار، بعد تجاوزات عدت الكل، لأنه أصبح الشعار أن من حقك أن تقول أى حاجة فى أى وقت، وهذا غير صحيح، فضلاً عن أنه غير مهنى، حتى إذا كان الإعلامى مؤيداً لنظام فمن المفترض عليه أن يسيطر على تأييده وآرائه ليعرض الأمور بصورة موضوعية ولو بالحد الأدنى». «ليلى» أضافت أنه يوجد حالة من «المبالغة» غير المهنية تسيطر على المشهد الإعلامى، لا سيما فى التعامل مع الرئيس تأييداً وهجوماً، وأضافت: «رسالة الإعلام سامية جداً، وجليلة، وبالتالى يجب احترامها وتوقيرها والالتزام بقواعدها، ومن المفترض على أى جهة إعلامية أن تقدم ما لديها من حقائق ومعلومات وأفكار، لكن دون تزيّد ودون توجيه للمواطن أو ابتزاز للسلطة، ومناقشة الإيجابيات والسلبيات بشكل محايد دون أن يصبح إعلاماً منحازاً لطرف لأن ذلك يفقده المصداقية: «إحنا فى فترة كثرت فيها الشائعات، ولازم الإعلام يكون له دور قوى فى كل حاجة، لكن لا يتخطى حقوق المواطن ولا سلطة المسئول».