كل سنة وحضراتكم جميعا بألف خير، بمناسبة عيد الأضحى المبارك، ورغم سعادتنا جميعا بالعيد، فإن سعادتنا تلك لا تكتمل بسبب جماعات «الصيع» التى تنتشر وتعيث فى الشوارع والميادين فسادا وتسعى فى غياب أى وازع من الدين أو الضمير أو الأخلاق أو القانون، لانتهاك أعراض بناتنا وأخواتنا والتحرش بهن مستغلين فى ذلك فرصة غياب الأمن والفوضى الضاربة فى كثير من نواحى حياتنا الاجتماعية بعد أعظم وأرقى ثورة فى التاريخ، وإذا كان التحرش أمرا يحدث بصور مختلفة ونسب متفاوتة فى كل بقاع العالم فإن اللافت للنظر والمزعج فى نفس الوقت أن تحتل مصر مكانة متقدمة فى استقصاءات التحرش فى العالم، وأن تحدث حوادث التحرش تلك فى الأماكن العامة والميادين وأمام دور السينما بشكل جماعى هستيرى فى ظل لا مبالاة واضحة من الأمن والمواطنين، وقد أدى هذا إلى نشأة العديد من مبادرات مواجهة التحرش الجنسى ومنها للأسف ما يدعو لمواجهة التحرش بدنيا ومباشرة مما ينذر بمواجهات دامية فى الشارع، وهو الأمر الذى يدعونا إلى إعادة التفكير فى أمر التحرش الجنسى لنعتق من هذا النفق المظلم إلى مصاف الدول التى انعتقت من تلك الممارسات الهمجية والبربرية المتخلفة، والمفترض أن الشعوب المتحضرة تعيش بساقين اثنين هما: الثقافة والقانون، تضمن الثقافة للإنسان، رجلا كان أو امرأة، الحرية الكاملة واحترام حقوقه واختياراته فى المأكل والملبس وغير هذا من ممارسات يومية، ثم يأتى القانون ليضمن صيانة تلك الحريات ويضع فى نفس الوقت الخطوط الفاصلة لضمان ألا تتعارض تلك الحريات وتصطدم ببعضها البعض. ولكن الملاحظ هنا أن هناك ثقافة اجتماعية تغذيها ثقافة دينية متطرفة تحط من شأن المرأة وتحتقرها وتجعل مكانها الوحيد المنزل وتقصر دورها فى الحياة على الإنجاب وتربية الأولاد وإمتاع الرجل، كما تحدد لها فى نفس الوقت طريقة لبسها وخصائص ذلك اللباس، ومن هنا تراها مسئولة بشكل أساسى عن ما تتعرض له من انتهاك وتحرش؛ لأنها كما يرى أصحاب ذلك الخطاب تعود متأخرة ليلا، أو تلبس لباسا مثيرا يكشف من جسمها مفاتن ينبغى سترها، أو تقف فى أماكن وفى أوضاع غير لائقة -وتعد حادثة الشهيد طالب الهندسة بالسويس نموذجا لذلك- فقد راح السلفيون يبررون فعلتهم بوقوف الشاب وخطيبته معا على باب إحدى السينمات، والأمر الذى يتجاهله أصحاب ذلك الخطاب أن كثيرا من النساء المحجبات والمنقبات قد تعرضن مرات متكررة لذلك التحرش العلنى بلغت نسبتهن فى بحث للمركز المصرى لقضايا المرأة 72% من المتحرش بهن، كما يتجاهل أصحاب ذلك الخطاب أن مثل هذه التبريرات تجعل من الشباب والرجال الذين يتحرشون بالنساء مجرد حيوانات تقتفى أثر غرائزها بلا وازع من خلق أو ضمير، وفى ظنى أن الخطاب الذى يلقى اللوم على الفتاة التى تعرضت للتحرش، هو أشد بذاءة وفحشا من فعل التحرش ذاته، ومن هنا فنحن فى حاجة إلى أن يوضع مثل هذا الخطاب تحت طائلة التجريم والعقاب مثل الخطابات التى تدعو للعنف والكراهية والتمييز. نأتى بعد هذا إلى مشكلة القانون صحيح أن هناك قانونا يعاقب بالحبس مددا تصل إلى ثلاث سنوات على من يثبت عليه التحرش بفتاة، خاصة إذا كان تحرشا جسديا، ومع هذا نظن أن هناك تواطؤا كاملا من القائمين عليه لعدم تطبيقه وتشجيع الفتيات على استخدامه، يؤكد هذا تبعا لإحدى الدراسات أن اثنين فى المائة فقط من المتحرش بهن يقمن بإبلاغ الشرطة، ويأتى على رأس مشاكل تفعيل ذلك القانون، خوف مجتمعاتنا من القيل والقال وكتابة أسماء فتياتهن فى محاضر الشرطة وتحقيقات النيابة، ومنها أيضاً أن بعض حوادث التحرش ترتكب فى إطار الأسرة مما يهدد كيان الأسرة نفسه ومنها ما يرتكب فى إطار العمل والعمل الخاص بالتحديد مما يهدد بقطع عيش الفتاة، كما قد يرتكب التحرش بحق أطفال صغار لا يدرون ما الذى يحدث حولهم، ويأت أخيراً «حبال القانون الطويلة» ودهاليزه المجهولة، وهو الأمر الذى يجعلنا نحتاج وبشدة إلى تشكيل دوائر خاصة بالنيابة تكون غالبيتها من النساء تستطيع أن تستقبل بلاغات الفتيات ولا تخجل الفتيات أمامهن من الوصف والشرح، وأخيراً يأتى سرعة البت والحسم فى مثل هذه القضايا التى تهدد لا فتياتنا فحسب بل تهدد أمن مجتمعنا كله وفى نفس الوقت تلقى بظلال سوداء على صورة بلادنا التى عرفت التحضر والحضارة، قبل أن تشرق الشمس على العالم.