«سمعتُ صوتاً هاتفاً فى السحَر .. نادى من الغيب غُفاةَ البشر» إذا كنت من محبى «الست» فبالتأكيد سمعتها تتغنَّى بتلك الكلمات ضمن أبيات رباعيات الخيام التى ترجمها أحمد رامى ولحَّنها رياض السنباطى فى الخمسينات من القرن الماضى، واحدة من الروائع التى عاشت لأكثر من سبعين عاماً، قبل أن تدب فيها الحياة بشكل جديد وبتصور موسيقى حديث بصوت وائل الفشنى وموسيقى أمين بوحافة كشارة مسلسل «الحشاشين» الذى يُعرض فى السباق الرمضانى الحالى من إنتاج الشركة المتحدة، والذى يُعد أضخم إنتاج درامى عربى خلال الفترة الحالية. وإن كان العملاق رياض السنباطى قد اختار من مقام «الراست» الشرقى الأصيل بطلاً للحن الرباعيات لتتغنى بها السيدة أم كلثوم، فقد راح أمين بوحافة إلى شكل بعيد كل البعد عن تلك الحالة، وذلك لاختلاف مهمته عن مهمة السنباطى الذى لحَّن الأغنية لتغنيها أم كلثوم فى حفلاتها، عكس بوحافة الذى تطلَّب منه الأمر السير بنفس الكلمات فى اتجاه آخر يجب أن يعبر به عن أحداث عمل درامى معين، سواء فى تتراته أو موسيقاه التصويرية. وبما أننا أمام عمل تاريخى ملحمى يسافر معه المشاهد فى رحلات من المتعة فى الصورة والديكورات والملابس، وكذلك الأفكار المهمة التى يناقشها العمل بإلقاء الضوء على أول جماعة متشددة اتخذت من الاغتيالات منهجاً لتحقيق أهدافها، فكان لا بد أن يخرج تتر العمل وموسيقاه التصويرية لتعبِّر عن كل هذا المضمون بسهولة ويسر، فجاءت موسيقى التتر تنتمى لنوعية الأعمال الموسيقية «الملحمية» التى لا تصنَّف تصنيفاً موسيقياً عادياً من ناحية التنقل بين المقامات الموسيقية، وإنما يطلق عليها «موسيقى ملحمية»، والتى تعتمد عادة على عدد من الأدوات أهمها الآلات الإيقاعية الواسعة بكثافة، مع سيطرة شبه تامه للآلات الوترية مثل «الكمان والتشيلو»، مع وجود لأصوات كورال عريضة فى الخلفية يستخدمها الصانع كآلة موسيقية تُكمل الصورة بعزف اللحن بالصوت ولا تقوم بترديد كلمات الأغنية بالشكل المتعارف عليه فى الكورال. وتلك النوعية من الموسيقى الملحمية عادة ما يقوم صانعها بتسجيلها بطريقة الأوركسترا وليس بطرق التسجيل العادية من تسجيل كل آلة موسيقية منفردة ثم تجميعها فى قالب واحد، وطريقة التسجيل الأوركسترالى تحقق للموسيقار نوعاً من الهارمونى الذى يسعى إليه لتوصيل شكل وقالب معين لمقطوعته الموسيقية بشكل أكبر من الطرق المتبعة فى التسجيل المنفرد. ومع حالة الثورة الموسيقية التى تخلقها تراكيب الآلات الإيقاعية والوتريات وأصوات الكورال فى الخلفية يطل عليك صوت مصرى أصيل هو وائل الفشنى ليُكمل تلك اللوحة الموسيقية ببراعة نادرة وبطريقة أداء متفردة ربما أصبح هو الأهم فى قائمتها حالياً، ليتغنَّى بطريقة أشبه بالتواشيح أو الإنشاد، لكن هى فى الحقيقة طريقة غناء تسمى «الحدو» مشتقة من كلمة «حداء الإبل» أى الغناء للإبل ويطلق على من يغنيها «الحادى»، وهى طرق غنائية خاصة بسكان الصحارى بعيدة كل البعد عن الطرق التقليدية المتعارف عليها حالياً فى الغناء، وهو ما يتسبب فى تهيئة أذن المستمع لعمل مختلف وبالتالى تهيئة المشاهد بأنه على أعتاب مشاهدة عمل ملحمى تاريخى وليس عملاً درامياً عادياً، كما كان لطريقة الفشنى فى الأداء وسط تلك اللوحة الموسيقية الرائعة أكبر الأثر فى صرف أذهان المستمع عن الأغنية الأولى التى غنتها السيدة أم كلثوم من قبل، رغم أنها نفس الكلمات لكن طريقة الفشنى تجعلك تشعر وكأنك تستمع لهذا الجزء من رباعيات الخيام للمرة الأولى، وهى فى رأيى واحدة من نقاط القوة لفريق عمل المسلسل بالمجازفة باختيار جزء من رباعيات الخيام لتقديمها كشارة تتر للعمل، لكن جاء الاختيار بشكل أكثر من رائع، خاصة مع وجود شخصية عمر الخيام نفسه فى أحداث العمل بشكل كبير ومؤثر، فكان من الطبيعى الاستعانة ببعض أشعاره فى تترات العمل، وهو ما يدعم فكرة المجهود الكبير المبذول فى كافة تفاصيل العمل، الصغيرة منها والكبيرة، بما يجعله يستحق عن جدارة لقب «درة التاج» لأعمال الدراما المصرية والعربية فى السباق الرمضانى الحالى، فكان الاهتمام بصناعة تتر وموسيقى تصويرية على مستوى قيمة العمل من التفاصيل المهمة التى صنعت الفارق فى توصيل رسالة المسلسل إلى المشاهد.