عندما طُلب منى أن أتحدث عن أمى، وجدت أنه من المحتم أن تحمل كلماتى دعوة صريحة إلى كل ابن وابنة بضرورة مصالحة أمهاتهم، لأن الأم ليست كلمة مكوّنة من 4 أحرف، لكنها عطاء لا ينتهى ولا ينضب مهما واجهت من صعوبات فى تربية أبنائها. ولكن.. ما معنى كلمة ماما؟ أتطلق هذه الكلمة فقط على كل من حملت وأنجبت وأرضعت؟ هل تستحق الأم بعد سنوات تعبها وكفاحها أن نودعها داخل إحدى دور المسنين أو أن نأتى لها بجليسة ترافقها للإيفاء بمتطلباتها نظير أجر مادى؟ لا يا سادة، الأم لا تستحق هذا، لأنها لم تؤجّر أحداً أثناء مرحلة حملها جنينها فى بطنها، ولم تستعن بسيدة أخرى كى ترضعنا أو تسهر على راحتنا. كم من أم عاملة؟ كم من أم أرملة؟ ما أكثر السيدات اللاتى ربت دون أن تحمل لقب «أم»، فهناك أمهات لم ينجبن من الأساس، لكنهن أدين دور الأمومة على النحو النموذجى. .. وتتجلى عظمة الأمومة عندما تسأُل أم كفيفة عن أبنائها العاقين، فتجدها ترد بقلب يفيض بحنان جارف: «ولادى دول نور عينيا»، وعلى النقيض تجد ابناً يصيح فى أمه فاقدة السمع، قائلاً: «لما انتى مش بتسمعى بتتكلمى ليه؟»، وكأنه يريد أن يضع يديه على فمها ويخرسها إلى الأبد، رغم أنها تحملت صراخه فى طفولته وبكت لبكائه. لا بد أن نلتفت جميعاً إلى مقولة «كله سلف ودين حتى المشى على الرجلين»، فمن يُطعم أمه اليوم سيجد ابنه يطعمه غداً، ومن يعامل أمه معاملة حسنة سيجد المعاملة بالمثل من أبنائه والعكس صحيح، فإذا أدركنا أن «السلف والدين» آتٍ لا محالة، فستتحسن علاقة الأبناء بأمهاتهم. وأقول لكل ابن وابنة: «خليك روح أمك وعينها وأذنها، وتحملها مثلما تحملتك كثيراً». وفى النهاية بإمكان كل سيدة لم ينعم الله عليها بنعمة الأمومة أن تحول هذه المناسبة إلى حدث إيجابى فى حياتها، تمارس خلاله هذه النعمة العظيمة، إما داخل إحدى دور المسنين، أو من خلال تبنى طفل يتيم تكسب ثواباً بسببه، ويرعاها فى كبرها. «الجنة تحت أقدام الأمهات»، «الأم مدرسة إذا أعددتها أعددت شعباً طيب الأعراق»، الأم هى المنبع الذى نبدأ من خلاله طريق النجاح، دعواتها تصاحبنا فى كل مكان وزمان، قلبها ملىء بالحب لأبنائها المخلصين، فأرجوكم: انتبهوا لأحوال أمهاتكم، فهن الخير والبركة، وبدعواتهن ننعم بخيرات الحياة. النهارده عيد ميلاد أمى.. فلنذهب لنصالحها، وأقول لها أخيراً وليس آخرا: عذراً يا سادة، فمعادلة الأم فاقت كل المعادلات الفيثاغورثية والنيوتنية، فالمعادلة الفيثاغورثية نسبة إلى فيثاغورث، أما المعادلة النيوتنية نسبة إلى نيوتن. أعى جيداً أن كلماتى مهما بلغت قوة تعبيرها لن تتمكن من إسداء أفضالك يا أمى، لا سيما أنها لا تُعد ولا تُحصى، لكن كل ما أتمناه أن يظل قلبك راضياً عنى، لأن رضا الأم من رضا الرب، وفى النهاية لا يسعنى سوى أن أقول لك: باحبك أوى.