لا نبكيهم لموت فارق بيننا وبينهم، فهى مشيئة الله استرد وديعته. ولا ننعاهم لجزع ألمّ بنا، فلكل أجل كتاب، ولا يزيدنا رحيلهم إلا فخراً بما قدمت أيدينا لوطن لا نملك سواه، ولكن نستشعر الألم لتأخر فى قضاء ناجز يمنح الخائن جزاء خيانته سجناً مدى الحياة أو إعداماً يخرجه من الحياة، ونحس بالضيق لقوانين طالت مطالبتنا بها لدحر جماعة وأذناب لها تاجروا بالدين والوطن والناس. ونشمئز لغدر لم يمنح فلذات أكبادنا فرصة الدفاع عن أنفسهم، وهم الرجال الذين تدربوا منذ التحاقهم بالكلية الحربية على سبل إذاقة العدو معانى الاستسلام. هكذا نبكى الرجال محمد عيد، وعلى سعد، وإسماعيل محمود شهداء الكلية الحربية، الذين رحلوا جسداًً، بينما أرواحهم تهيم راضية، نوصى بقية أبنائنا من زملائهم بإكمال المسيرة ومواصلة التعلم والتدريب بقوة للثأر لهم من سدنة الشيطان، وبائعى القيم والأوطان. غير عابئين بمخاطر تحيط بهم هم الآخرين، وندركها كأمهات وآباء منذ أن ودعناهم عند أبواب مصنع الرجال، فلم يتركونا لنزهة ولم نودعهم رفاهية. بل وهبنا بلادنا حصاد شقائنا لسنوات فى تربية الأبناء على الغالى من القيم والنفيس من الأخلاق والكثير من الرجولة. نعم، قلوبنا راضية بقضاء لا دخل لنا فيه، محزونة من مشاهد النهاية المؤلمة الموجعة، يملؤنا جميعاً الإصرار على مواصلة ما عاهدنا عليه الوطن حين أقسمنا بأن يحيا شامخاً ولو ذهبنا جميعاً. ولكن دعونى أبح لكم بتساؤلات تزيد من أوجاعنا فى ظل صمت الإجابات عنها. يا سادة متى سنرى القصاص لشهداء وطن كثُر عددهم وتراكم حزننا عليهم يوماً بعد يوم، ففاق ثقل الجبال؟ يا سادة إلى متى نتحمل مرارة الانتظار لثأر طال غيابه؟ يا سادة متى ننفذ مبادئ الدستور فى تطبيق محاكمات عسكرية على مرتكبى جرائم الإرهاب الهاتكة لأمن الوطن والمواطن؟ وإلى متى نمنح الخائنين ملاذاً بالسجون، وقد شاهدنا فعلهم بعيوننا؟ وأخيراً سؤال للسادة القضاة القائمين على تنفيذ العدل فى بلادى، هل تستشعرون وجع قلوب الأمهات والثكالى من الزوجات؟ هل تحسون نظرات الحزن الغاضب المكتوم لأبناء وإخوة لا يعرفون لماذا الصبر على القاتلين؟ هل شاهدتم صور الشهداء فى كل مرة يغتال فيها الإرهاب الغاشم أحلامهم؟ أعلم قيود القوانين وبطء الإجراءات، ولكن أستحلفكم أداءً يشفى صدور المكلومين ويمنحنا برداً على قلوب فقدت أعز ما تملك ابناً أو زوجاً أو أخاً أو رفيق طريق. ولكم فى «حبارة» مثلُ يا أهل القضاء كإرهابى معترف بجرمه وقتله للأبرياء وما زال يتمتع بالحياة! أخشى ما أخشاه أن تظلوا على بطء خطواتكم جميعاً، فتتركوا للناس عذراً أن يأخذوا بأيديهم حقوقاً عجزتم عن منحها لهم. أخشى أن تصبح العدالة غائبة فى ظل أصوات غاضبة أحذركم ردود فعلها إن طفح الكيل بها. أخشى أن تتسرب للنفوس قناعات بوجود صفقات تُحاك فى الخفاء مع من شاهدنا غيهم بأعيننا للوصول لتسوية لم تعد مقبولة بين عموم المصريين. أخشى أن تتساوى دماء الضحايا والجناة، فننسى مع الأيام من فارقونا بعدما قدموا أرواحهم للوطن فداء. أخشى أن يتسرب اليأس قهراً للأرواح فيسلبها قيماً آمنت بها ومبادئ دافعت عنها، فيسيطر عليها مجدداً غياب الانتماء وفقد الاهتمام. وتبقى كلمات أخيرة فى حق الرجال من الشهداء: سلمتم وعاش فداؤكم رغم الرحيل، غنمتم الشهادة وغنمنا فخرنا بكم. أوجعتم قلوباً أحزنها فراقكم، ولكن رجاءها أن تنعم بلقياكم فى دار آخرة يوم تجزى كل نفس ما عملت، فوداعاً «على»، و«محمد»، و«إسماعيل».وداعاً دمنا الغالى الزكى الطاهر. ودعاء من القلب بالصبر لأمهات فقدن السند والعزوة حينما فقدن الولد. سلام سلاح.